الخطبة، وقد شهد ابن عمر -رضي الله عنهما- هذه الخطبة بالمدينة على منبره، وكان من

عادته -صلى الله عليه وسلم- أن يعلّمهم في كلّ وقت ما يحتاجون إليه، إذا حضر فعله، فأولى

الأوقات به الجمعة التي تلي خروجه، والظاهر أنه لم يكن ليدع الجمعة، وبينه

وبينها بعض يوم، من غير ضرورة، وقد اجتمع إليه الخَلْق، وهو أحرص الناس

على تعليمهم الدين، وقد حضر ذلك الجمع العظيم، والجمع بينه وبين الحجّ

ممكن، بلا تفويت، والله تعالى أعلم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن أرجح الأقوال أن

خروجه -صلى الله عليه وسلم- كان يوم السبت، وبهذا تجتمع الروايات المختلفة في هذا الباب،

والله تعالى أعلم بالصواب.

وقولها: (أَمرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ، إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ

وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَحِلَّ) أي: يجعل نسكه عمرة، وفي بقاء هذا الحكم

خلاف، والحقّ بقاؤه، كما هو مذهب الإمام أحمد، وعليه البخاريّ، وجمهور

المحدّثين، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا -إن شاء الله تعالى-.

وقولها: (فَدُخِلَ) بالبناء للمفعول، ولم يُعلم الداخل به.

وقولها: (فَقِيلَ: ذَبَحَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَزْوَاجِهِ) لم يعلم قائل ذلك، قال

ابن بطال رحمه الله: أخذ بظاهره جماعة، فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية،

ولا حجة فيه؛ لأنه يَحْتَمِل أن يكون عن كل واحدة بقرة، وأما رواية يونس عن

الزهريّ، عن عمرة، عن عائشة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَحَر عن أزواجه بقرة واحدة،

فقد قال إسماعيل القاضي: تفرد يونس بذلك، وقد خالفه غيره. انتهى.

قال الحافظ رحمه اللهُ: ورواية يونس أخرجها النسائيّ، وأبو داود، وغيرهما،

ويونس ثقةٌ حافظٌ، وقد تابعه معمر، عند النسائيّ أيضًا، ولفظه أصرح من لفظ

يونمس قال: "ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة"، ورَوَى النسائي

أيضًا من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "قال:

ذبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهنّ"، صححه

الحاكم، وهو شاهدٌ قويّ لرواية الزهريّ، وأما ما رواه عَمّار الدُّهْنِيّ عن

عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ذبح عنا

رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم حججنا بقرة بقرة"، أخرجه النسائيّ أيضًا، فهو شاذّ مخالف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015