القعدة، حكى هذا القول ابنُ القيّم في "الهدي" عن ابن حزم، وذكر كلامه
مفصّلًا، ثم بسط في الرّدّ عليه، وسيأتي شيء من كلامه.
(القول الثالث): ما اختاره المحقّقون من شُرّاح الحديث، وأصحاب
التواريخ أنّ خروجه -صلى الله عليه وسلم- كان لخمس بقين من ذي القعدة يوم السبت، وبه جزم
ابن القيّم في "الهدي"، وهو ما اختاره الحافظ في "الفتح"، إذ قال في شرح
قول ابن عبّاس -رضي الله عنهما-: "وذلك لخمس بقين من ذي القعدة" ما لفظه: أخرج
مسلم مثله من حديث عائشة -رضي الله عنها-، واحتجّ به ابن حزم في "كتاب حجة الوداع"
له على أن خروجه -صلى الله عليه وسلم- من المدينة كان يوم الخميس، قال: لأن أول ذي
الحجّة كان يوم الخميس بلا شكّ؛ لأن الوقفة كانت يوم الجمعة بلا خلاف،
وظاهر قول ابن عبّاس: "لخمس" يقتضي أن يكون خروجه من المدينة يوم
الجمعة، بناءً على ترك يوم الخروج، وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بالمدينة
أربعًا، كما سيأتي من حديث أنس -رضي الله عنه-، فتبيّن أنه لم يكن يوم الجمعة، فتعيّن
أنه يوم الخميس.
وتعقّبه ابن القيّم بأن المتعيّن أن يكون يوم السبت، بناءً على عدّ يوم
الخروج، أو على ترك عدّه، ويكون ذو القعدة تسعًا وعشرين يومًا. انتهى.
ويؤيّده ما رواه ابن سعد، والحاكم في "الإكليل" أن خروجه -صلى الله عليه وسلم- من
المدينة كان يوم السبت، لخمس بقين من ذي القعدة.
وقال الحاقظ أيضًا: جزم ابن حزم بأن خروجه -صلى الله عليه وسلم- من المدينة كان يوم
الخميس، وفيه نظر؛ لأن أول ذي الحجّة كان يوم الخميس قطعًا؛ لما ثبت،
وتواتر أن وقوفه بعرفة كان يوم الجمعة، وتعيّن أن أول الشهر يوم الخميس،
فلا يصحّ أن يكون خروجه يوم الخميس، بل ظاهر الخبر أن يكون يوم
الجمعة، لكن ثبت في "الصحيحين" عن أنس -رضي الله عنه-: "صلينا الظهر مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-
بالمدينة أربعًا، والعصر بذي الحليفة ركعتين". فدلّ على أنّ خروجهم لم يكن
يوم الجمعة، فما بقي إلا أن يكون خروجهم يوم السبت، ويُحمَل قول من
قال: "لخمس بقين" أي: إن كان الشهر ثلاثين، فاتفق أن جاء تسعًا وعشرين
فيكون يوم الخميس أول ذي الحجّة بعد مضيّ أربع ليال، لا خمس، وبهذا
تتّفق الأخبار.