كالقاضي عياض، والنوويّ، والحافظ، وغيرهم على أن فيه بيان ابتداء الحال،

ثم صار قارناً، فإنه لا يلزم من إهلاله بالحجّ أن لا يكون أدخل عليه العمرة،

وحمله الحنفية، والحنابلة القائلون بكونه - صلى الله عليه وسلم - قارناً ابتداء على أن عائشة - رضي الله عنها -

سمعت تلبيته بالحجّ فقط، وللقارن أن يُلبّي بأيهما شاء، فيقول تارةً: لبيك

بحجة، وتارة لبيك بعمرة، وتارة لبيك بحجة وعمرة، فحكت عائشة ما

سمعت، فلا يخالف قولُها من حكى أنه لبّى بهما جميعاً، وكان قارناً من

الابتداء، وقد تقدّم بيان اختلاف العلماء في صفة إحرامه - صلى الله عليه وسلم -، وأن الأرجح أنه

كان لبى بالججّ، ثم أدخل عليه العمرة، فصار قارناً، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: معنى إفراد الحجّ: هو الإهلال بالحجّ وحده في أشهره عند

الجميع، وفي غير أشهره أيضاً عند مجيزيه، والاعتمار بعد الفراغ من الحجّ

من شاء، قاله في "الفتح".

ومعنى قوله: "عند مجيزيه" أن الإحرام بالحجّ قبل أشهره مختلف فيه،

قال ابن قُدامة -رَحِمَهُ اللهُ-: لا ينبغي أن يحرم بالحجّ قبل أشهره، هذا هو الأولى،

فإن الإحرام بالحجّ قبل أشهره مكروه؛ لكونه إحراماً به قبل وقته، فأشبه

الإحرام به قبل ميقاته؛ ولأن في صحته اختلافاً، فإن أحرم به قبل أشهره صحّ،

وإذا بقي على إحرامه إلى وقت الحجّ جاز، نصّ عليه أحمد، وهو قول مالك،

والثوريّ، وأبي حنيفة، وإسحاق، وقال عطاء، وطاوس، ومجاهد، والشافعيّ:

يجعله عمرة؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] تقديره: وقت

الحجّ أشهر، أو أشهر الحجّ أشهر معلومات، فحذف المضاف، وأقام المضاف

إليه مقامه، ومتى ثبت أنه وقته لم يجز تقديم إحرامه عليه، كأوقات الصلوات 0

قال: ولنا قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فدلّ على أن جميع الأشهر ميقات. انتهى كلام ابن قدامة.

وتعقّبه بعضهم: بأنه لو صحّ ذلك لجاز صيام رمضان في شهر آخر، فإن

قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} لا يختلف عن تعيين شهر رمضان باسمه،

فإن قوله: {مَعْلُومَاتٌ} كتسميتها سواء. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015