الباب، فقال: يا رسول الله تدركني الصلاة؛ أي صلاة الصبح، وأنا جنبٌ، أفأصوم؟ فقال النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "وأنا تدركني الصلاة، وأنا جنب، فأصوم"، فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: (والله أني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتَّقِي".
وذكر ابن خزيمة أن بعض العلماء توهّم أن أبا هريرة غَلِطَ في هذا الحديث، ثم رَدَّ عليه بأنه لَمْ يَغْلَط، بل أحال على رواية صادق، إلَّا أن الخبر منسوخ؛ لأن الله تعالى عند ابتداء فرض الصيام، كان منع في ليل الصوم من الأكل والشرب والجماع بعد النوم، قال: فَيَحْتَمِل أن يكون خبر الفضل كان حينئذ، ثم أباح الله ذلك كله إلى طلوع الفجر، فكان للمجامع أن يستمرّ إلى طلوعه، فيلزم أن يقع اغتساله بعد طلوع الفجر، فدَلَّ على أن حديث عائشة - رضي الله عنها - ناسخ لحديث الفضل - رضي الله عنه -، ولم يبلغ الفضل ولا أبا هريرة - رضي الله عنهما - الناسخ، فاستمر أبو هريرة على الفتيا به، ثم رجع عنه بعد ذلك لما بلغه.
قال الحافظ: ويُقَوِّيه أن في حديث عائشة هذا الأخير ما يشعر بأن ذلك كان بعد الحديبية؛ لقوله فيها: قد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر، وأشار إلى آية الفتح، وهي إنما نزلت عام الحديبية سنة ستّ، وابتداء فرض الصيام كان في السنة الثانية، دمالى دعوى النسخ فيه ذهب ابن المنذر، والخطابيّ، وغير واحد، وقرره ابن دقيق العيد بأن قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] يقتضي إباحة الوطء في ليلة الصوم، ومن جملتها الوقت المقارن لطلوع الفجر، فيلزم إباحة الجماع فيه، ومن ضرورته أن يصبح فاعل ذلك جنبًا، ولا يفسد صومه، فإن إباحة التسبب للشيء إباحة لذلك الشيء.
قال الحافظ: وهذا أولى من سلوك الترجيح بين الخبرين كما تقدم من قول البخاريّ: والأول أسند، وكذا قال بعضهم: إن حديث عائشة أرجح؛ لموافقة أم سلمة لها على ذلك، وروايةُ اثنين تُقَدَّم على رواية واحد، ولا سيما وهما زوجتان، وهما أعلم بذلك من الرجال، ولأن روايتهما توافق المنقول، وهو ما تقدم من مدلول الآية، والمعقول وهو أن الغسل شيء وجب بالإنزال، وليس في فعله شيء يَحرُم على صائم، فقد يَحتلم بالنهار، فيجب عليه الغسل،