ومنهم من قال: يتم صومه ذلك اليوم، ويقضيه، حكاه ابن المنذر - رَحِمَهُ اللهُ - عن الحسن البصريّ، وسالم بن عبد الله بن عمر، وأخرج عبد الرزاق، عن ابن جريجٍ، أنه سأل عطاء عن ذلك، فقال: اختَلَف أبو هريرة وعائشة، فأرى أن يتم صومه ويقضي. انتهى، وكأنه لَمْ يثبت عنده رجوع أبي هريرة عن ذلك، وليس ما ذكره صريحًا في إيجاب القضاء.
ونَقَل بعض المتأخرين عن الحسن بن صالح بن حيّ إيجاب القضاء أيضًا، والذي نقله الطحاويّ عنه استحبابه.
ونقل ابن عبد البر عنه، وعن النخعيّ إيجاب القضاء في الفرض، والإجزاء في التطوع.
قال الحافظ: ووقع لابن بطال، وابن التين، والنوويّ، والفاكهيّ، وغير واحد في نقل هذه المذاهب مغايرات، في نسبتها لقائلها، والمعتمد ما حررته.
ونَقَل الماورديّ أن هذا الاختلاف كلّه، إنما هو في حقّ الجنب، وأما المحتلم فأجمعوا على أنه يجزئه، وهذا النقل مُعْتَرض بما رواه النسائيّ بإسناد صحيح، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، أنه احتَلَم ليلًا في رمضان، فاستيقظ قبل أن يطلع الفجر، ثم نام قبل أن يغتسل، فلم يستيقظ حتى أصبح، قال: فاستفتيت أبا هريرة، فقال: أَفْطِر، وله من طريق محمد بن عبد الرَّحمن بن ثوبان، أنه سمع أبا هريرة يقول: من احتَلَم من الليل، أو واقع أهله، ثم أدركه الفجر، ولم يغتسل فلا يصم، وهذا صريح في عدم التفرقة.
وحَمَلَ القائلون بفساد صيام الجنب حديث عائشة - رضي الله عنها - على أنه من الخصائص النبوية، أشار إلى ذلك الطحاويّ بقوله: وقال آخرون: يكون حكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على ما ذكرت عائشة، وحكم الناس على ما حَكَى أبو هريرة.
وأجاب الجمهور بأن الخصائص لا تثبت إلَّا بدليل، وبأنه قد ورد صريحًا ما يدلُّ على عدمها، وترجم بذلك ابن حبان في "صحيحه"، حيث قال: "ذِكْرُ الخبر الدالّ على أن إباحة هذا الفعل المزجور عنه لَمْ يكن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - مخصوصًا به دون أمته، وإنما هي إباحة له ولهم"، ثم أورد ما أخرجه هو ومسلم، والنسائيّ، وابن خزيمة، وغيرهم من طريق أبي يونس مولى عائشة، عن عائشة: أن رجلًا جاء إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه، وهي تسمع من وراء