(فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ) أي لمروان (عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن الحارث؛ أي حديث عائشة، وأم سلمة - رضي الله عنهما - المذكور، وفي رواية البخاريّ: "فقال أبو بكر: فكره ذلك عبد الرَّحمن، ثم قُدّر لنا أن نجتمع بذي الحليفة، وكانت لأبي هريرة هنالك أرض".
وقوله: "فكره ذلك عبد الرَّحمن" سبب كراهته ما سيأتي أنه قال: إنه لَجاري، وإني لأكره أن استقبله بما يكره، وَيحْتَمِل أن يكون كَرِه أيضًا أن يخالف مروان؛ لكونه كان أميرًا واجب الطاعة في المعروف، وبَيَّن أبو حازم، عن عبد الملك بن أبي بكر، عن أبيه، سبب تشديد مروان في ذلك، فعند النسائيّ من هذا الوجه قال: كنت عند مروان، مع عبد الرَّحمن، فذكروا قول أبي هريرة، فقال: اذهب، فاسأل أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذهبنا إلى عائشة، فقالت: يا عبد الرَّحمن، أما لكم في رسول الله أسوة حسنة؟ فذكرت الحديث، ثم أتينا أم سلمة كذلك، ثم أتينا مروان، فاشتَدّ عليه اختلافهم تخوّفًا أن يكون أبو هريرة يحدث بذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال مروان لعبد الرَّحمن: عَزَمُت عليك لما أتيته، فحدثته.
وقوله: "ثم قُدِّر لنا أن نجتمع بذي الحليفة"؛ أي المكان المعروف، وهو ميقات أهل المدينة، وقوله: "وكان لأبي هريرة هناك أرض"، فيه رفع توهُّم من يظن أنهما اجتمعا في سفر، وظاهره أنهما اجتمعا من غير قصد، لكن في رواية مالك: "فقال مروان لعبد الرَّحمن: أقسمت عليك، لتركبن دابتي، فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة، فإنه بأرضه بالعقيق، فلتخبرنه، قال: فركب عبد الرَّحمن، وركبت معه"، فهذا ظاهر في أنه قَصَد أبا هريرة لذلك، فيُحْمَل قوله: "ثم قُدِّر لنا أن نجتمع معه" على المعنى الأعم من التقدير، لا على معنى الاتّفاق، ولا تخالف بين قوله: "بذي الحليفة"، وبين قوله: "بأرضه بالعقيق"؛ لاحتمال أن يكونا قصداه إلى العقيق، فلم يجداه، ثم وجداه بذي الحليفة، وكان له أيضًا بها أرض.