والأول أوضح (أُمَّةٌ) أي جماعة، هو مثل قوله تعالى: {أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 23]، وقال الجوهريّ: الأمة الجماعة، وقال الأخفش: هو في اللفظ واحد، وفي المعنى جمع، وكلُّ جنس من الحيوان أمة، والأمة الطريقة والدين، يقال: فلان لا أمة له؛ أي لا دِين له، ولا نِحْلة له، وكَسْرُ الهمزة فيه لغة، وقال ابن الأثير: الأمة الرجل المفرد بدين؛ لقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ} [النحل: 120] (?).

(أُمَيَّةٌ) أي باقون على ما ولدتنا عليه أمهاتنا، وقيل: هو نسبة إلى الأمّ، فقيل: أراد أمة العرب؛ لأنها لا تكتب، أو نسبة إلى الأمهات؛ أي أنهم على أصل ولادة أمهم، أو نسبة إلى الأمّ؛ لأن المرأة هذه صفتها غالبًا، وقيل: نسبة إلى أمّ القرى، ولا يخفى بعدُه (لَا نَكْتُبُ، وَلَا نَحْسُبُ) بضم السين المهملة، يقال: حَسَبتُ المال حَسْبًا، من باب قتل: أحصيته عددًا، وفي المصدر أيضًا حِسْبة بالكسر، وحُسبانًا بالضمّ. قاله في "المصباح".

فقوله: "لا نكتُبُ، ولا نحسُبُ" تفسير لكونهم أميين، وقيل للعرب: أميون؛ لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ} الآية [الجمعة: 2]، ولا يَرِد على ذلك أنه كان فيهم من يكتب، ويحسُبُ؛ لأن الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة، والمراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلا النزر اليسير، فعلّق الحكم بالصوم وغيره بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير، واستمرّ الحكم في الصوم، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يُشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلًا، ويوضّحه: "فإن غمّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين"، ولم يقل: فسلوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلّفون، فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم.

وقد ذهب قوم إلى الرجوع إلى أهل التسيير في ذلك، وهم الرافضة، ونُقل عن بعض الفقهاء موافقتهم، قال الباجيّ: وإجماع السلف الصالح حجة عليهم، وقال ابن بزيزة: هو مذهب باطل، فقد نهت الشريعة عن الخوض في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015