وقد نظم الأجهوريّ رحمه الله الاختلاف في أشهر الصيام التامّة والناقصة في حياته -صلى الله عليه وسلم-، فقال [من الرجز]:

وَفُرِضَ الصِّيَامُ ثَانِي الْهِجْرَةِ ... فَصَامَ تِسْعَةً نَبِيُّ الرَّحْمَةِ

فَأَرْبَعًا تِسْعًا وِعِشْرِينَ وَمَا ... زَادَ عَلَى ذَا بِالْكَمَالِ اتَّسَمَا

كَذَا لِبَعْضِهِمْ وَقَالَ الْهَيْتَمِي ... مَا صَامَ كَاملًا سِوَى شَهْر اعْلَم

وِللدَّمِيرِي أَنَّهُ شَهْرَانِ ... وَنَاقِصٌ سِوَاهُ خَذْ بَيَانِي (?)

[تنبيه]: لا فرق بين الشهر الكامل والناقص بالنسبة للثواب المترتّب على صوم رمضان، وأما ما يترتّب على يوم الثلاثين من ثواب واجبه ومندوبه عند سحوره، وفطوره، فهو زيادة يفوق بها الكامل الناقص (?)، والله تعالى أعلم بالصواب.

(المسألة الخامسة): في بيان حكمة مشروعية الصيام:

(اعلم): أن من حكمة مشروعيّة الصيام كونه موجبًا لسكون النفس، وكسر سَوْرتها في الفضول المتعلّقة بجميع الجوارح، من العين، واللسان، والأذن، والفرج، فبالصوم تضعف حركتها في محسوساتها، وكونه موجبًا للرحمة والعطف على المساكين، فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في وقت، تذكّر حال المساكين في سائر الأوقات، فيسارع إلى الإحسان إليهم لدفع ألم الجوع عنهم، فينال بذلك حسن الجزاء من الله تعالى.

قال الزرقانيّ رحمه الله: شُرع الصيام لفوائد، أعظمها كسر النفس، وقهر الشيطان، فالشِّبَعُ نَهْرٌ في النفس يَرِدُهُ الشيطان، والجوع نهر في الروح تَرِده الملائكة.

ومنها: أن الغنيّ يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره على ما منع منه كثيرًا من الفقراء، من فضول الطعام، والشراب، والنكاح، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص، وحصول المشقّة له بذلك يتذكّر به من مُنِع ذلك على الإطلاق، فيوجب ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015