شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (يَبْلُغُ بِهِ) أي بهذا الحديث (النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-) يعني أنه رفعه إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد تقدّم غير مرّة أن هذه الصيغة من صِيَغ الرفع حكمًا، وإنما عدل التابعيّ، عن التصريح بقول الصحابيّ: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أو نحو ذلك؛ لتردّده في الصيغة، هل هي "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، أو "عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، أو نحو ذلك؟ مع كونه متيقّنًا رفعه، فأتى بصيغة تَحْتَمِل الجميع، والله تعالى أعلم.
(قَالَ) أي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- "قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ) أي قويّ نَشِطٌ (عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ) إنما أنّثه مع قوله: "حبّ العيش والمال" بتأويه بخصلتين؛ أي كائن على حب خصلتين، والمراد استمراره على ذلك، ودوامه عليه، وأن حبة لهاتين الخصلتين لم ينقطع عنه بشيخوخته، وقوله: (حُبِّ الْعَيْشِ، وَالْمَالِ") يجوز فيه الجرّ على البدليّة، والرفع على أنه خبر لمحذوف؛ أي هو العيش والمال، والنصب مفعولًا لفعل مقدّر؛ أي أعني حبّ العيش والمال.
وقوله: "حبّ العيش" هو بمعنى قوله في الرواية التالية: "طول الحياة"؛ أي طول العمر، وقوله: "والمال" هو بمعنى قوله في الرواية التالية أيضًا: "وحبّ المال"؛ يعني أنه يحبّ جمعه، ومنعه.
قال النوويّ رحمهُ اللهُ: هذا مجاز، واستعارة، ومعناه: أن قلب الشيخ كاملُ الحب للمال، محتكم في ذلك كاحتكام قوّة الشاب في شبابه، هذا صوابه، وقيل في تفسيره غير هذا مما لا يُرتضى. انتهى (?).
وقال في "الطرح": وقيل: وصفه بكونه شابًّا؛ لوجود هذين الأمرين فيه اللذين هما في الشباب أكثر، وبهم أليق؛ للرجاء في طول أعمارهم، ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا، وحب الدنيا هو كثرة المال، وطول الأمل هو طول الحياة المذكوران في الرواية الأخرى، وكذا حب العيش المذكور في رواية مسلم هو طول الحياة، وقوله في رواية البخاريّ من حديث أنس: "وتكبر معه اثنتان" المراد كبرهما في المعنى، وقوّتهما، وعدم ضعفهما، فهو بمعنى