وروى ابن سعد في "الطبقات" من طريق المنذر بن جَهم وغيره، عن حويطب، قال: لما دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكّة خِفْتُ خوفًا شديدًا، فذكر قصّة طويلة، فَفَرَّقْتُ أهلي بحيث يأمنون، وانتهيت إلى حائط عوف، فأقمت فيه، فإذا بأبي ذرّ، وكانت لي به معرفة -والمعرفة أبدًا نافعة- فسلّمت عليه، فذكرت له، فقال: اجمع عيالك، وأنت آمن، وذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبره، فاطمأننتُ، فقال لي أبو ذرّ: حتى متى يا أبا محمد؟ قد سُبِقتَ، وفاتك خير كثير، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبرّ الناس، وأحلم الناس، وشرفه شرفك، وعزّه عزّك، فقلت: أنا أخرج معك، فقال: إذا رأيته، فقل: السلام عليك أيها النبيّ ورحمة الله، فقلتها، فقال: "وعليك السلام"، فتشهدتُ، فسُرّ بذلك، وقال: "الحمد لله الذي هداك"، قال: واستقرضني مالًا، فأقرضته أربعين ألفًا، وشهدتُ معه حُنينًا، وأعطاني من الغنائم، ثم قدم حُويطب المدينة، فنزلها إلى أن مات، وباع داره بمكة من معاوية باربعين ألف دينار، فاستكثرها بعض الناس، فقال حويطب: وما هي لمن عنده خمس من العيال؟ . وروى عبد الرزاق من طريق أبي نَجِيح، عن حويطب: أن امرأة جذبت أمتها، وقد عاذت منها بالبيت، فشُلّت يدها، فلقد جاء الإسلام، وإن يدها شلّاء.
ورواه الطبرانيّ من وجه آخر من طريق ابن أبي نَجيح، عن أبيه، عن حُويطب، لكن قال: إن العائذة امرأة، وإن الذي جذبها زوجها (?).
قال الواقديّ: كان قد بلغ عشرين ومائة سنة، ستين في الإسلام، وستين في الجاهليّة، قال خليفة: مات سنة (54).
وذكر في "الفتح" أنه كان من أعيان قريش، وأسلم في الفتح، وكان حَمِيد الإسلام، وكانت وفاته بالمدينة سنة (54) من الهجرة، وهو ابن مائة وعشرين سنة، وهو ممن أُطلق عليه أنه عاش ستين في الجاهليّة، وستين في الإسلام تجوّزًا، ولا يتمّ ذلك تحقيقًا؛ لأنه إن أريد بزمان الإسلام أول البعثة، فيكون عاش سبعًا وستين، أو الهجرة، فيكون عاش فيه أربعًا وخمسين، أو زمن إسلامه هو، فيكون ستًّا وأربعين، والأول أقرب إلى الإطلاق على طريقة