قال الجامع عفا الله عنه: أرجح الأقوال عندي في مسألة القبول القولُ بالوجوب؛ لظواهر النصوص؛ إذ هي بصيغة الأمر، ولا صارف له إلى الندب، وما ادّعاه بعضهم من الإجماع على الندب غير صحيح؛ لما عرفت من الخلاف.
وأما عطيّة السلطان، فالتفصيل الذي ذكره الحافظ رحمهُ اللهُ، هو الصواب، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في حكم أخذ الراتب لمن يقوم بمصالح المسلمين: قال الإمام البخاريّ رحمهُ اللهُ في "صحيحه": "باب رزق (?) الحاكم، والعاملين عليها، وكان شُرَيح القاضي يأخذ على القضاء أجرًا، وقالت عائشة -رضي الله عنها-: يأكل الوصيّ بقدر عُمالته، وأكل أبو بكر، وعمر، ثم أورد حديث عمر -رضي الله عنه- المذكور في الباب محتجًّا به على جواز ذلك.
قال الطبريّ رحمهُ اللهُ: في حديث عمر الدليل الواضح على أن لمن شُغِل بشيء من أعمال المسلمين أَخْذَ الرزق على عمله ذلك، كالولاة، والقضاة، وجُبَاة الفيء، وعُمّال الصدقة، وشبههم؛ لإعطاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر العُمَالةَ على عمله.
وذكر ابن المنذر أن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، كان يأخذ الأجر على القضاء.
واحتجّ أبو عبيد في جواز ذلك بما فرض الله للعاملين على الصدقة، وجعل لهم منها حقًّا؛ لقيامهم، وسعيهم فيها.
وقال ابن المنذر: وحديث ابن السعديّ حجة في جواز أرزاق القضاة من وجهها.
وقال النوويّ: في هذا الحديث جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين، سواء كانت لدين، أو لدنيا، كالقضاء، والحسبة، وغيرهما. انتهى (?).