يأخذ كان عند نفسه متطوّعًا بالعمل، فقد لا يجدّ جدّ من أخذ، ركونًا إلى أنه غير ملتزم، بخلاف الذي يأخذ، فإنه يكون مستشعرًا بأن العمل واجبٌ عليه، فيجدّ جدَّه فيه.

7 - (ومنها): أن التصدّق بالمال بعد قبضه أفضل من التصدّق قبله؛ لأدن الإنسان إذا دخل المال في يده يكون أحرص عليه، فإذا تصدّق به طيّبة نفسه، كان أدلّ على حبة للخير، وقوة إيمانه، بخلاف ما إذا تصدّق قبل قبضه، فإن النفس لا تطمع إليه كثيرًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم أخذ الشخص ما جاءه من المال، من غير مسألة، ولا إشراف، وفي عطيّة السلطان:

قال النوويّ رحمهُ اللهُ: اختَلَفَ العلماء فيمن جاءه مالٌ، هل يجب قبوله، أم يُندبُ؟ على ثلاثة مذاهب، حكاها أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ، وآخرون، والصحيح المشهور الذي عليه الجمهور أنه يستحبّ في غير عطيّة السلطان، أما عطيّة السلطان، فحرّمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أَعطَى من لا يستحقّ، وإن لم يغلب الحرام، فمباحٌ، إن لم يكن في القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ، وقالت طائفة: الأخذ واجبٌ من السلطان وغيره.

وقال آخرون: هو مندوبٌ في عطيّة السلطان، دون غيره، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ (?).

وقال الحافظ: والتحقيق في المسألة أن من عُلِمَ كون ماله حلالًا، فلا تردّ عطيّته، ومن عُلم كون ماله حرامًا، فتحرم عطيّته، ومن شُكّ فيه، فالاحتياط ردّه، وهو الورع، ومن أباحه أَخَذَ بالأصل.

قال ابن المنذر: واحتجّ من رخّص فيه بأن الله تعالى قال في اليهود: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42]، وقد رهن الشارع درعه عند يهوديّ، مع علمه بذلك، وكذلك أَخَذَ الجزية منهم مع العلم بأن أكثر أموالهم من ثمن الخمر والخنزير، والمعاملات الفاسدة. انتهى (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015