ماله"، فإنه يدلّ على أن الذي يشهد له الثلاثة هو الذي كان له مالٌ، فاجتاحته آفة، فاحتاج للمسألة، والله تعالى أعلم.
وقال السنديّ رحمه الله: وهذا كنايةٌ عن كون تلك الفاقة محقّقةً، لا مُخَيّلةً، حتى أَبُو استُشهِد عقلاء قومه بتلك الفاقة لشهدوا بها، والفرق بين هذا القسم، والقسم السابق، أن الفاقة في القسم الأول ظاهرة بَينَ غالب الناس، وفي هذا القسم خفيّةٌ عنهم. انتهى.
(لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ) أي يقومون قائلين: قد أصابت إلخ.
(فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلةُ، حَتى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْش، أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، فَمَا سِوَاهُن) أي سوى هذه الأمور الثلاثة (مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا) قال النوويّ رحمه الله: هكذا هو في جميع النسخ "سُحْتًا"، ورواية غير مسلم: "سُحْت"، وهذا واضح، ورواية مسلم صحيحة، وفيه إضمار؛ أي اعتقده سُحْتًا، أو يؤكل سُحْتًا. انتهى (?).
و"السُّحُتُ" -بضم السين، والحاء المهملتين، أو بضمّ السين، وسكون الحاء، تخفيفًا-: هو كلّ مالٍ حرام، لا يَحِلّ كسبه، ولا أكله، وسُمّي بذلك؛ لأنه يَسْحَتُ البركة: أي يُذهبها، وَيمحَقها.
وقال القرطبيّ في رحمه الله: قوله: "سُحُتٌ" السحت: الحرام، وسمّي به لأنه يسحت وَيمحَقُ، وفيه لغتان: سكون الحاء وضمّها، وروايتنا في "سحت" الأول الرفع على أنه خبر المبتدأ الذي هو "ما" الموصولة، وقد وقع لبعضهم "سحتًا" بالنصب، وليس وجهه ببيِّنٍ. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: توجيهه بيِّنٌ، كما سبق في قول النوويّ رحمه الله، وذلك أن يُقدّر له ناصب؛ أي اعتقده سحتًا، أو نحو ذلك، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
وقال أيضًا: قولهْ "فما سواهنّ سحتٌ" أي ما سوى هؤلاء الثلاثة، ثم هو بعد ذلك مخصوص بحديث سمُرة -رضي الله عنه- الذي أخرجه أبو داود باسناد صحيح مرفوعًا: "المسائل كُدُوح يَكْدح بها الرجل وجهه، فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان، أو في أمر لا يَجِد منه بُدًّا" (?).