فقال: "بل نحملها عنك يا قبيصة، ونؤديها إليهم من إبل الصدقة -ثم قال-: إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة: رجل تحمل بحمالة ... " الحديث (?).

(قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً) أي تكلّفت دينًا، قال في "النهاية": "الحمالة"- بفتح الحاء المهملة- كسَحَابة: ما يتحمّله الإنسان عن غيره، من دية، أو غَرَامة، مثل أن يقع حربٌ بين فريقين، تُسفَك فيها الدماء، فيدخل بينهم رجلٌ يتحمّل ديات القتلى؛ ليُصلح ذات البين، والتحمّل أن يحملها عنهم على نفسه -أي يتكفلها، ويلتزمها في ذمّته-. انتهى (?).

وقال الخطّابيّ رحمه الله: تفسير الْحَمَالة أن يقع بين القوم التشاجر في الدماء والأموال، وَيحدُث بسببهما العداوة، والشحناء، ويُخاف من ذلك الفتق العظيم، فيتوسّط الرجل فيما بينهم، ويسعى في إصلاح ذات البين، ويتضمن مالًا لأصحاب الطوائل، يترضّاهم بذلك حتى تسكن الثائرة، وتعود بينهم الألفة. انتهى.

وقال النوويّ رحمه الله ما حاصله: الحمالة -بالفتح- هو المال الذي يتحمّله الإنسان؛ أي يستدينه، ويدفعه في إصلاح ذات البين، كالإصلاح بين قبيلتين، ونحو ذلك، وإنما تحل له المسألة، ويُعطَى من الزكاة بشرط أن يستدينه لغير معصية. انتهى (?).

وقال القرطبيّ رحمه الله: قوله: "تحمّلت حَمَالةً" أي ألزمتها نفسي، والحمالة: ما لزم الإنسان تحمّله من غُرْم، أو دية، وكانت العرب إذا وقعت بينهم فتنة اقتضت غرامة في دية، أو غيرها، قام أحدهم، فتبرعّ بالتزام ذلك، والقيام به حتى ترتفع تلك الفتنة الثائرة، ولا شكّ أن هذا من مكارم الأخلاق، ولا يصدر مثله إلا عن سادات الناس وخيارهم، وكانت العرب لكرمها إذا عَلِمَت بأن أحدًا تحمّل حَمالةً بادروا إلى معونته، وأعطوه ما يُتمّ به وجه مكرُمته، وتبرأ به ذمّته، ولو سأل المتحمّل في تلك الحمالة لم يُعَدَّ ذلك نقصًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015