قولهم (فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ ) أي على أيّ شيء نبايعك الآن؟ ، فـ "ما" استفهاميّة حُذفت ألفها؛ لدخول حرف الجرّ عليها، كما قال في "الخلاصة":

وَ "مَا" فِي الاسْتِفْهَامِ إِنْ جُرَّتْ حُذِفْ ... أَلِفُهَا وَأَوْلهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ

وَلَيْسَ حَتْمًا فِي سِوَى مَا انْخَفَضَا ... بِاسْمٍ كَقَوْلِكَ "اقْتِضَاءَ مَا اقْتَضَى"

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ) متعلق بمحذوف دلّ عليه السؤال؛ أي تبايعوني على عبادة الله تعالى؛ أي طاعته (وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) يَحْتَمِل أن يكون "شيئًا" مفعولًا به؛ أي لا تشركوا به شيئًا من الأشياء من غير فرق بين حيّ وميت وجَماد وحيوان، وَيحْتَمِل أن يكون مفعولًا مطلقًا؛ أي لا تشركوا به شيئًا من الشرك الأكبر، والأصغر، والجليّ، والخَفِيّ (وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) بالجرّ عطفًا على قوله "أن تعبدوا الله"؛ أي وعلى إقامة الصلوات الخمس (وَتُطِيعُوا) وفي رواية أبي داود: "وتسمعوا، وتطيعوا"؛ أي تسمعوا، وتطيعوا أمر وُلاة الأمور الذين ولاهم الله تعالى عليكم إذا أمروكم بغير معصية الله تعالى (وَأَسَرَّ) من الإسرار؛ أي أخفى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (كَلِمَةً خَفِيَّةً) أي لم يجهر بها كما جهر بما تقدم، ثم فسّر الكلمة الخفتة بقوله: (وَلَا تَسْأَلوا النَّاسَ شَيْئًا") وفي رواية النسائيّ: "وأن لا تسألوا الناس شيئًا"، وهو في تأويل المصدر بدل من "كلمة"، أو خبر لمحذوف؛ أي هي عدم سؤال الناس شيئًا.

والمراد بالسؤال: السؤال المتعلق بالأمور الدنيوية، فلا يتناول السؤال للعلم وأمور الدين، لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].

وقال في "المنهل": والحكمة في إسرار النهي عن السؤال أن يختص به بعضهم دون بعض؛ لأنَّ مِنَ الناس مَنْ لا بُدَّ له من السؤال لحاجته، ومنهم الغني عنه بماله، أو بالتعفف. انتهى (?).

(فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أولَئِكَ النَّفَرِ، يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ) قال النوويّ رحمه الله: فيه التمسك بالعموم؛ لأنهم نُهُوا عن السؤال، فحَمَلُوه على عمومه، وفيه الحثّ على التّنَزُّه عن جميع ما يُسَمَّى سؤالًا، وإن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015