المعاملات، واتفاق الملّة (?) على اتخاذها أثمانًا للمقوّمات، وعلى ذلك فوجوب الزكاة فيها ثابت بالقياس كزكاة الفلوس والنحاس. انتهى.
قال القرضاويّ: هذا الاعتبار الأخير هو الذي يجب أن يُعوّل عليه في حكم النقود الورقيّة الإلزاميّة التي هي عمدة التبادل والتعامل الآن، والتي لم يعد يشترط أن يقابلها رصيد معدنيّ بالبنك، ولا يلتزم البنك صرفها بذهب أو فضّة.
وربما كان الخلاف في أمر هذه الأوراق مقبولًا في بدء استعمالها، وعدم اطمئنان الجمهور إليها شأنَ كلّ جديد، أما الآن فالوضع قد تغيّر تمامًا.
لقد أصبحت هذه الأوراق النقديّة تحقّق داخل كلّ دولة ما تحقّقه النقود المعدنيّة، وينظر المجتمع إليها نظرته إلى تلك.
إنها تُدفع مهرًا، فتستباح بها الفروج شرعًا دون أيّ اعتراض. وتدفع ثمنًا، فتنقل ملكيّة السلعة إلى دافعها بلا جدال. وتدفع أجرًا للجهد البشريّ، فلا يمتنع عاملٌ، أو موظّفٌ من أخذها جزاءً على عمله. وتدفع بها دية في القتل الخطأ، أو شبه العمد، فتبرئ ذمّةَ القاتل، ويرضى أولياء المقتول. وتُسْرَقُ فيستحقّ سارقها عقوبة السرقة بلا مراء من أحد. وتدّخر وتملك، فيعدّ مالكها غنيًّا بقدر ما يملك منها، فكلما كثرت في يده عظم غناه عند الناس، وعند نفسه (?).
ومعنى هذا كلّه أن لها وظائف النقود الشرعيّة، وأهمّيّتها، ونظرة المجتمع إليها، فكيف يسوغ لنا أن نَحرِمَ الفقراءَ والمساكينَ، وسائرَ المستحقّين من الانتفاع بهذه النقود، ووظائفها المتعدّدة الوفيرة؟ أليس الناس كلّ الناس يسعون إلى تحصيلها جاهدين؛ أليس مُلّاكها يعُدّونها نعمة يجب شكرها؟ أليس الفقراء يتطلّعون إليها، ويسيل لعابهم شوقًا إليها؟ أليس يفرحون بها إذا أعطوا القليل منها؟ بلى والله.