منكر ونكير (فَيُقَالُ: مَا عِلْمُكَ) "ما" استفهاميّة مبتدأ، و"علمك" خبره، والجملة مقول القول، والخطاب فيه للمقبور، بدليل قوله: "تفتنون في قبركم"، ولكنه عدل عن خطاب الجمع إلى خطاب المفرد؛ لأن السؤال عن العلم يكون لكل واحد بانفراده واستقلاله.

قال في "العمدة": قيل: قد يُتَوَهَّم أن فيه التفاتًا؛ لأنه انتقال من جمع الخطاب إلى مفرد الخطاب، كما قال المرزوقي في شرح الحماسة في قوله:

أَحْمِى أَبَاكُنّ يَا لَيْلَى الأَمَادِيَح

إنه التفات، وكما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1].

ثم أجاب بأن الجمهور من أهل المعاني على خلاف ذلك، ولا يسمى هذا التفاتًا، إلَّا على قول من يقول: إن الالتفات هو انتقال من صيغة إلى صيغة أخرى، سواء كان من الضمائر بعضِها إلى بعض، أو من غيرها، والتفسير المشهور أن الالتفات هو التعبير عن معنَى بطريق من الطرق الثلاثة، بعد التعبير عنه بطريق آخر من الطرق الثلاثة، وهي التكلم، والخطاب، والغيبة، أما الشِّعر فإن فيه تخصيص الخطاب بعد التعميم؛ لكون المقصود الأعظم هو خطابَ ليلي، وأما الآية فقد قال الزمخشريّ: خَصّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنداء، وعمّ بالخطاب؛ لأن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إمام أمته، وقدوتهم، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان افعلوا كيت وكيت؛ إظهارًا لتقدمه، واعتبارًا لترؤسه، وأنه مِدْرَهُ قومه (?) ولسانهم، والذي يصدر عنهم رأيه، ولا يستبدّون بأمر دونه، فكان هو وحده في حكم كلهم، وسادًّا مسدَّ جميعهم. انتهى (?).

(بِهَذَا الرَّجُلِ؟ ) أي: بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، وإنما لَمْ يقل: بي؛ لأنه حكاية عن قول الملائكة للمقبور، والقائل هما الملكان السائلان المسمّيان بمنكر ونكير.

وإنما يقول له الملكان السائلان: "ما علمك بهذا الرجل"؟ ، ولا يقولان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015