قال ابن المنذر: والأخبار دالّة على هذا القول؛ لأنه سُوِّي بينهما، وأُمِر بالصلاة عند كسوفهما، بُيِّنَ ذلك في الأخبار الثابتة عن نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم استدلّ بحديث أبي مسعود - رضي الله عنه - الآتي مرفوعاً: "إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد، ولكنهما آيتان من آيات الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فإذا رأيتموهما، فصلّوا"، متّفقٌ عليه، وبحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي أخرجه النسائيّ، وابن خزيمة في "صحيحه"، وفي سنده ضعف، وفيه: "فإذا رأيتم ذلك، فاحمدوا الله، وكبروا، وسبّحوا، وصلوا حتى ينجلي أيهما انكسف ... ".
قال: وفي هذا من البيان ما لا يُشكل على من سمعه أن يصلى لكسوف القمر.
قال: والذي ذكرته قول جلّ أهل العلم، غير مالك، فإن ابن نافع حَكَى عنه أنه قال: ليس لكسوف القمر صلاة معروفة محدودة، ولا أرى بأساً أن يصلي القوم فُرادى، كل رجل منهم لنفسه ركعتين ركعتين، مثل صلاة النافلة.
وحَكَى ابن القاسم عنه أنه قال: وليس في صلاة خسوف القمر سنة، ولا صلاة كصلاة كسوف الشمس.
قال ابن المنذر: وهذه غفلة منه، والسنة دالّة على القول الأول. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللهُ- ببعض تصرف (?).
ظ ل الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي رجحه ابن المنذر -رَحِمَهُ اللهُ- من استحباب الصلاة لخسوف القمر هو الراجح عندي؛ لظهور أدلته، فقد أورد مسلم في هذا الباب حديث عائشة، وجابر، وأبي مسعود، وابن عبّاس، وأبي موسى الأشعريّ، وعبد الله بن عمر، والمغيرة بن شعبة - رضي الله عنهم - وكلّها فيها الأمر بالصلاة، والدعاء.
وأخرج ابن حبّان في "صحيحه" من حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - بلفظ: "فإذا رأيتم شيئاً من ذلك ... "، وعنده من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -: "فإذا انكسف أحدهما، فافزعوا إلى المساجد".