(فَحَمِدَ اللهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ) وفي حديث سمرة - رضي الله عنه - عند النسائيّ زيادةُ: "وشَهِد أن لا إله إلا الله، وشهد أنه عبد الله ورسوله".

قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه دليلٌ على أن الخطبة يكون أولها الحمد لله، والثناء عليه، ومذهب الشافعيّ أن لفظة "الحمد لله" متعيّنة، فلو قال معناها لم تصحّ خطبته. انتهى (?).

قال الجامع عفا الله عنه: في عدم صحة الخطبة بذلك نظرٌ لا يخفى، وقد تقدّم تمام البحث في هذا في "كتاب الجمعة"، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ) وفي رواية: "آيتان من آيات الله"؛ أي: علامتان دالّتان على وحدانيّة الله تعالى، وعظيم قدرته، أو على تخويف العباد من بأس الله تعالى وسطوته، ويؤيّده قوله تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59]، قاله في "الفتح" (?).

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -؛ أي: دليلان على وجود الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وقهره، وكمال قدرته، وخصّهما بالذكر لما وقع للناس من أنهما يخسفان لموت عظيم، وهذا إنما صدر عمن لا علم عنده، ممن ضعف عقله، واختَلَّ فهمه، فردّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عليهم جهالتهم، وتضمّن ذلك الردّ على من قال بتأثيرات النجوم، ثم أخبر بالمعنى الذي لأجله يكسفان، وهو أن الله تعالى يُخَوِّف بهما عباده.

[فإن قيل]: فأيُّ تخويف في ذلك، والكسوف أمر عاديّ بحسب تقابل هذه النيّرات، وحجب بعضها لبعض، وذلك يجري مجرى حجب الجسم الكثيف نور الشمس عما يقابله من الأرض، وذلك لا يحصل به تخويفٌ؟ .

[قلنا]: لا نُسلّم أنّ سبب الكسوف ما ادَّعَوه، ومن أين عَرَفوا ذلك؟ بالعقل أم بالنقل؟ ، وكلّ واحد منهما إما بواسطة نظر، أو بغير واسطة، ودعوى شيء من ذلك ممنوعةٌ، وغايتهم أن يقولوا: ذلك مبنيّ على أمور هندسيّة ورصديّة تُفضي بسالكها إلى القطع، ونحن نمنع أيضاً ما ذكروه إلى القطع (?)، وهو أول المسألة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015