المطربة، فمن قبيل ما لا يُختَلَف في تحريمه، لكن النفوس الشهوانية، والأغراض الشيطانية قد غلبت على كثير ممن يُنسب إلى الخير، وشُهِر بذكره حتى عَمُوا عن تحريم ذلك، وعن فُحْشه، حتى قد ظهرت من كثير منهم عَوَاراتُ الْمُجَّان، والمخانيث، والصبيان، فَيَرقُصُون، وَيزْفِنون بحركات متطابقة، وتقطيعات متلاحقة، كما يَفعل أهل السفَه والمجون، وقد انتهى التواقح بأقوام منهم إلى أن يقولوا: إن تلك من أبواب القُرَب، وصالحات الأعمال، وأن ذلك يُثمر صفاء الأوقات، وسنيّات الأحوال، وهذا على التحقيق من آثار الزندقة، وقول أهل البطالة، والمخرّفة، نعوذ بالله من البدع، والفتن، ونسأله التوبة، والمشي على السُّنَن. انتهى كلام القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو بحث نفيسٌ، وتحقيق أنيسٌ.
وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ- بعد ذكر كلام القرطبيّ هذا - ما نصّه: وينبغي أن يُعكس مرادهم، ويقرأ "سيء" يعني: قوله: "سنيّ الأحوال" عوض النون الخفيف المكسورة بغير همز، بمثنات تحتاثية ثقيلة مهموزاً - أي: فيقال: "وسيّئات الأحوال" -. انتهى. وهو بحثٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:
[2066] ( ... ) - (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ، فِي يَوْمِ عِيدٍ، فِي الْمَسْجِدِ، فَدَعَانِي النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَوَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ، حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتي أَنْصَرِفُ عَنِ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ).
رجال هذا الإسناد: خمسة:
1 - (زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ) النسائيّ، نزيل بغداد، ثقةٌ ثبتٌ [10] (ت 234) (خ م د س ق) تقدم في "المقًدمة" 2/ 3.
2 - (جَرِيرُ) بن عبد الحميد الضبّيّ الكوفيّ، ثقةٌ صحيح الكتاب [8] (ت 188) (ع) تقدم في "المقدمة" 6/ 50.