الحريصة على اللهو" إلى أنها كانت حينئذ شابّة، مَن ادَّعَى نسخ هذا الحكم، وأنه كان في أول الإسلام.

ورُدّ عليه بأن قولها: "يسترني بردائه" دالّ على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، وكذا قولها: "أحببت أن يبلغ النساءَ مقامُهُ لي"، مشعر بأن ذلك وقع بعد أن صارت لها ضرائر، أرادت الفخر عليهنّ، فالظاهر أن ذلك وقع بعد بلوغها، وفي رواية ابن حبّان أن ذلك وقع لَمّا قَدِم وفد الحبشة، وكان قدومهم سنة سبع، فيكون عمرها حينئذ خمس عشرة سنةً، أفاده في "الفتح" (?).

[تنبيه]: قال في "الفتح": استدلّ جماعة من الصوفية بحديث الباب على إباحة الغناء، وسماعه بآلة، وبغير آلة، ويكفي في ردّ ذلك تصريح عائشة - رضي الله عنها - في الحديث بقولها في الجاريتين: "وليستا بمغنّيتين"، فنفت عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ؛ لأن الغناء يُطلق على رفع الصوت، وعلى الترنّم الذي تسميه العرب النّصْب - بفتح النون، وسكون المهملة - وعلى الْحُدَاء، ولا يسمى فاعله مغنّياً، وإنما يسمى بذلك من يُنشد بتمطيط، وتكسير، وتهييج، وتشويق بما فيه تعريض بالفواحش، أو تصريح.

وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ -: قولها: "ليستا بمغنيتين"؛ أي: ليستا ممن يَعرف الغناء، كما يعرفه المغنّيات المعروفات بذلك، وهذا منها تحرّز عن الغناء المعتاد عند المشتهرين به، الذي يحرّك النفوس، ويبعثها على الهوى، والغَزَل، والْمُجُون، الذي يُحرّك الساكن، وَيبعَث الكامن، وهذا النوع إذا كان في شعر يُشَبَّب فيه بذكر النساء، ووصف محاسنهنّ، وذكر الخمور، والمحرّمات، لا يُختَلَف في تحريمه؛ لأنه اللَّهو، واللعب المذموم بالاتفاق.

فأما ما يَسلَم من تلك المحرّمات، فيجوز القليل منه، وفي أوقات الفرح؛ كالعُرس، والعيد، وعند التنشيط على الأعمال الشاقّة، ويدلّ على جواز هذا النوع هذا الحديث، وما في معناه، مثل ما جاء في الوليمة، وفي حَفْر الخَنْدَق، وفي حَدْو الحبشة، وسلمة بن الأكوع.

فأما ما ابتدعه الصوفيّة اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015