عَنْهُ فَكَانَ جَانِيًا، وَإِذَا كَانَ الْمَحْلُوقُ رَأْسُهُ مُكْرَهًا وَجَبَ الدَّمُ عَلَيْهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْحَالِقِ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّقَبَةِ وَالْإِبْطِ وَالْمَحْجَمَةِ فِي لُزُومِ الدَّمِ بِكُلٍّ مِنْهُمْ فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الرَّقَبَةِ أَوْ الْإِبْطِ شَيْءٌ لَا يَلْزَمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلِهَذَا قَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَلَوْ حَلَقَ مِنْ أَحَدِ الْإِبْطَيْنِ أَكْثَرَهُ وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ فَعَلَى هَذَا فَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الرَّقَبَةِ كَالْكُلِّ فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ كُلَّ عُضْوٍ لَهُ نَظِيرٌ فِي الْبَدَنِ لَا يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ، وَكُلُّ عُضْوٍ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْبَدَنِ كَالرَّقَبَةِ يَقُومُ أَكْثَرُهُ مَقَامَ كُلِّهِ.
وَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ أَنَّ فِي الْإِبْطِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الشَّعْرِ يُعْتَبَرُ فِيهِ الرُّبْعُ لِوُجُوبِ الدَّمِ، وَإِلَّا فَالْأَكْثَرُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ أَحَدٌ حَلْقَ رُبْعِ غَيْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ فَلَيْسَ فِيهِ ارْتِفَاقٌ كَامِلٌ وَلِهَذَا قَالَ الشَّارِحُ ثُمَّ الرُّبْعُ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ الْبَعْضِ ارْتِفَاقًا كَامِلًا حَتَّى لَوْ حَلَقَ أَكْثَرَ الْإِبْطِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا صَدَقَةٌ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. اهـ.
فَالْمَذْهَبُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ فِي الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ وَالْكُلِّ فِي غَيْرِهِمَا فِي لُزُومِ الدَّمِ، وَأَرَادَ بِالرَّقَبَةِ، وَمَا عُطِفَ مَا عَدَا الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ كَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَانَةِ كَالرَّقَبَةِ لَكِنْ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ، وَفِي حَلْقِ الْعَانَةِ دَمٌ إنْ كَانَ الشَّعْرُ كَثِيرًا. اهـ.
فَشَرَطَ كَثْرَةَ الشَّعْرِ فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ فِيمَا عَدَا الرَّأْسَ وَاللِّحْيَةَ إنْ حَلَقَ عُضْوًا كَامِلًا فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ، وَفِي الْمَبْسُوطِ، وَمَتَى حَلَقَ عُضْوًا مَقْصُودًا بِالْحَلْقِ فَعَلَيْهِ دَمٌ، وَإِنْ حَلَقَ مَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ فَصَدَقَةٌ ثُمَّ قَالَ: وَمِمَّا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ حَلْقُ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَرَجَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَدَفَعَ مَا فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ مَقْصُودٌ بِطَرِيقِ التَّنُّورِ بِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى حَلْقِهِمَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِمَا إذْ لَيْسَتْ الْعَادَةُ تَنْوِيرَ السَّاقِ وَحْدَهُ بَلْ تَنْوِيرُ الْمَجْمُوعِ مِنْ الصُّلْبِ إلَى الْقَدَمِ فَكَانَ بَعْضَ الْمَقْصُودِ بِالْحَلْقِ فَالْحَقُّ أَنْ يَجِبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الصَّدَقَةُ. اهـ.
فَعَلَى هَذَا فَالتَّقْيِيدُ بِالرَّقَبَةِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الصَّدْرِ وَالسَّاقِ بِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْجَمَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْحَلْقُ لِهَذَا الْمَوْضِعِ وَسِيلَةً إلَى الْحِجَامَةِ فَلَوْ حَلَقَهَا، وَلَمْ يَحْتَجِمْ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقَ فِي الْحَلْقِ كَمَا فِي الطِّيبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ هُنَا، وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ، وَهُوَ السُّنَّةُ، وَفِي النِّهَايَةِ، وَأَمَّا الْعَانَةُ فَالسُّنَّةُ فِيهَا الْحَلْقُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «عَشْرٌ مِنْ السُّنَّةِ مِنْهَا الِاسْتِحْدَادُ» وَتَفْسِيرُهُ: حَلْقُ الْعَانَةِ بِالْحَدِيدِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي أَخْذِ شَارِبِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ) مُخَالِفٌ لِمَا أَفَادَهُ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَإِلَّا تَصَدَّقَ فَإِنَّ الشَّارِبَ بَعْضُ اللِّحْيَةِ، وَهُوَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ الرُّبْعِ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ، وَمَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ فِي تَطْيِيبِ بَعْضِ الْعُضْوِ حَيْثُ قَالَ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ، وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَوُجُوبُ الصَّدَقَةِ فَالْحَاصِلُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَذْهَبُ وُجُوبُ الصَّدَقَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ الَّذِي هُوَ جَمَعَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ وَصَحَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمَبْسُوطِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلِّحْيَةِ، وَهُوَ قَلِيلٌ؛ لِأَنَّهُ عُضْوٌ صَغِيرٌ، وَسَوَاءٌ حَلَقَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الشَّارِبِ كَمْ يَكُونُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ فَيَلْزَمُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِقَدْرِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِهَا لَزِمَهُ رُبْعُ قِيمَةِ الشَّاةِ أَوْ ثُمُنِهَا فَثُمُنُهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْوَاجِبُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نِسْبَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُعْتَبِرًا مَعَهَا الشَّارِبَ كَمَا يُفِيدُهُ مَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQغَيْرِهِ فَإِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْحَلْقِ قَالَ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَقَاضِي خَانْ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ إذَا قَصَّ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ غَيْرِهِ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْحَلْقِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِنْ قَلَّمَ الْمُحْرِمُ أَظَافِيرَ حَلَالٍ أَوْ مُحْرِمٍ أَوْ قَلَّمَ الْحَلَالُ أَظَافِيرَ مُحْرِمٍ فَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْحَلْقِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَالْحَقُّ أَنْ يَجِبَ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ، وَفِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَالْحَلْقُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ وَالصَّوَابُ الْأُولَى (قَوْلُهُ: وَأَطْلَقَ فِي الْمَحْجَمَةِ إلَى قَوْلِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَمْ أَجِدْهُ فِي نُسْخَتِي مِنْهُ. اهـ.
وَكَأَنَّهُ نَظَرَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَوْ سَقَطَ مِنْ نُسْخَتِهِ وَنَصُّهُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْمَقْصُودِ إلَّا بِهِ يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ الْحِجَامَةُ عَلَى مَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ لَا يَجِبُ الدَّمُ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ أَنَّ كَوْنَهُ مَقْصُودًا إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ إلَى الْحِجَامَةِ فَإِذَا لَمْ تُعْقِبْهُ الْحِجَامَةُ لَمْ يَقَعْ وَسِيلَةً فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا فَلَا تَجِبُ إلَّا الصَّدَقَةُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْكَنْزِ وَاضِحَةٌ فِي ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي دَلِيلِهِمَا وَلِأَنَّهُ قَلِيلٌ فَلَا يُوجِبُ الدَّمَ كَمَا إذَا حَلَقَهُ بِغَيْرِ الْحِجَامَةِ، وَفِي دَلِيلِهِ أَنَّ حَلْقَهُ لِمَنْ يَحْتَجِمُ مَقْصُودٌ، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ بِخِلَافِ الْحَلْقِ لِغَيْرِهَا. اهـ بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي النِّهَايَةِ وَأَمَّا الْعَانَةُ إلَخْ) اُخْتُلِفَ فِي الْعَانَةِ الَّتِي يُسَنُّ حَلْقُهَا فَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَا حَوْلَ ذَكَرِ الرَّجُلِ، وَفَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ الشَّعْرِ، وَقِيلَ يُسَنُّ حَلْقُ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ الْحَلْقِ وَالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَاسْتِعْمَالِ النُّورَةِ إذْ الْمَقْصُودُ حُصُولُ النَّظَافَةِ إلَّا أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي هَذِهِ السُّنَّةِ الْحَلْقُ بِالْمُوسَى؛ لِأَنَّهُ أَنْظَفُ كَذَا فِي حَاشِيَةِ نُوحٍ أَفَنْدِي.