لَمْ يُقَيِّدْ الْحِنَّاءَ بِأَنْ تَكُونَ مَائِعَةً فَإِنْ كَانَتْ مُلَبَّدَةً فَفِيهِ دَمَانِ دَمٌ لِلتَّطَيُّبِ مُطْلَقًا وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا، وَلَيْلَةً وَغَطَّى الْكُلَّ أَوْ الرُّبْعَ فَلَوْ كَانَ التَّلْبِيدُ بِغَيْرِ الْحِنَّاءِ لَزِمَهُ دَمٌ أَيْضًا. وَالتَّلْبِيدُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ الْخِطْمِيَّ وَالْآسِ وَالصَّمْغِ فَيَجْعَلَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ لِيَتَلَبَّدَ.

، وَمَا ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ فِي مَنَاسِكِهِ وَحَسَنٌ أَنْ يُلَبِّدَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِصْحَابُهُ التَّغْطِيَةَ الْكَائِنَةَ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الطِّيبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا، وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِك قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي، وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» فَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّلْبِيدِ وَالطِّيبِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحْظُورٌ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَجَازَ اسْتِصْحَابُ الطِّيبِ الْكَائِنِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالسُّنَّةِ فَكَذَلِكَ التَّلْبِيدُ قَبْلَهُ بِالسُّنَّةِ، وَقَيَّدَ الْخِضَابَ بِالرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَةَ لَوْ خَضَّبَتْ يَدَهَا أَوْ كَفَّهَا فَعَلَيْهَا دَمٌ إنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَعَلَيْهَا صَدَقَةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ بِخِلَافِ خِضَابِ الرَّأْسِ بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ مُوجِبٌ لِلدَّمِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا خِضَابُ اللِّحْيَةِ فَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ مَضْمُونٌ، وَلَمْ يَقُلْ بِالدَّمِ وَزَادَ الشَّارِحُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِالدَّمِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ مَضْمُونَةٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا لِلْمَبْسُوطِ، وَقَيَّدَ بِالْحِنَّاءِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَضَّبَ بِالْوَسْمَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ أَنْ يَقْتُلَ الْهَوَامَّ أَطْعَمَ شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْوَسِمَةُ بِسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ الْأَفْصَحُ شَجَرٌ يُخَضَّبُ بِوَرِقِهِ، وَفِي الْهِدَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسْمَةِ لِأَجْلِ الْمُعَالَجَةِ مِنْ الصُّدَاعِ فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ، وَهَذَا صَحِيحٌ. اهـ.

يَعْنِي يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ التَّغْطِيَةَ مُوجِبَةٌ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ أَنَّهَا لِلْعِلَاجِ فَلِهَذَا ذَكَرَ الْجَزَاءَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الدَّمَ وَالْحِنَّاءَ مُنَوَّنٌ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ فِعَالٌ لَا فَعَلَاءٌ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلْفُ التَّأْنِيثِ، وَقَوْلُهُ أَوْ أَدْهَنَ بِزَيْتٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ طَيَّبَ أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ مَا إذَا كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ مُطَيَّبًا أَوْ غَيْرَ مُطَيَّبٍ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْكَثِيرِ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الطِّيبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَرَّقَ فِي الطِّيبِ بَيْنَ الْعُضْوِ، وَمَا دُونَهُ فَالزَّيْتُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الطِّيبِ، وَفِي الزَّيْتِ الَّذِي لَيْسَ بِمُطَيَّبٍ، وَلَا مَطْبُوخٍ خِلَافُهُمَا فَقَالَا: يَجِبُ فِيهِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَدَمٌ لِلتَّغْطِيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا. اهـ.

قَالَ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ الْمُرَادُ بِمَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً مَا لِلْفَاعِلِ فِي فِعْلِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ كَانَتْ التَّغْطِيَةُ بِالْحِنَّاءِ أَوْ الْوَسِمَةِ لِلتَّدَاوِي مِنْ نَحْوِ صُدَاعٍ بِدَلِيلِ التَّمْثِيلِ لِمَا لَا تَكُونُ التَّغْطِيَةُ مُوجِبَةً لِلدَّمِ بِالْجُوَالِقِ وَالْإِجَّانَةِ فَلَا إشْكَالَ. اهـ.

وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ التَّغْطِيَةَ بِالْجُوَالِقِ وَالْإِجَّانَةِ قَدْ تَكُونُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَدَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَقَدْ نَصُّوا أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ. اهـ. اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَلْبِيدَ الشَّعْرِ مُعْتَادٌ عِنْدَ أَهْلِ الْبَوَادِي وَنَحْوِهِمْ فَيَدْخُلُ فِي التَّغْطِيَةِ الْمُعْتَادَةِ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِقَوْلِهِ أَقُولُ: لَا رَيْبَ فِي وُجُوبِ حَمْلِ فِعْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى مَا هُوَ سَائِغٌ بَلْ مَا هُوَ أَكْمَلُ فَالتَّلْبِيدُ الَّذِي فَعَلَهُ يَسِيرٌ لَا يَحْصُلُ بِهِ تَغْطِيَةٌ، وَلَا يَمْنَعُ ابْتِدَاءً فِعْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ، وَلَا بَقَاؤُهُ وَالْمُوجِبُ لِلدَّمِ يُحْمَلُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِيهِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ مِنْهُ تَغْطِيَةٌ. اهـ.

وَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ رَشِيدُ الدِّينِ عَلَى هَذَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَقَيَّدَ الْخِضَابَ بِالرَّأْسِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الرَّأْسَ مِثَالٌ لَا قَيْدٌ وَالْمُرَادُ بِهَا الْعُضْوُ حَتَّى لَوْ خَضَّبَ بِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ وَجَبَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ اعْتَبَرَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ الْعُضْوَ لَا مَعْنَى لِلتَّفْرِيقِ عَلَى قَوْلِهِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِ وَلِهَذَا سَوَّى فِي الْفَتْحِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْيَدِ فَقَالَ: وَكَذَا لَوْ خَضَّبَتْ يَدَهَا بِهَا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِقِلَّةٍ، وَلَا كَثْرَةٍ، وَمَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ الْكَثْرَةِ فِي نَفْسِ الطِّيبِ، وَلَا تَنْسَ ذَلِكَ التَّوْفِيقَ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هُوَ السَّاهِي وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ اخْتَضَبَ بِالْوَسِمَةِ فَقَالَ: مَا لَفْظُهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِالْوَسِمَةِ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِلْخِضَابِ بَلْ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ أَعْطَى شَيْئًا؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ خِضَابِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ وَخِضَابُ اللِّحْيَةِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ.

وَكَيْفَ يَكُونُ مَا فِي الْجَامِعِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ عَلَى مَا تَوَهَّمَ، وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا إذْ وُجُوبُ الدَّمِ يُغَايِرُ وُجُوبَ الصَّدَقَةِ وَيَلْزَمُهُ إيجَابُ الصَّدَقَةِ أَيْضًا فِيمَا لَوْ دَهَنَهَا بِالْخِطْمِيِّ، وَقَدْ جَزَمُوا فِيهِ بِوُجُوبِ الدَّمِ عِنْدَهُ. اهـ.

وَقَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّة قُلْت وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هُنَا غَيْرُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا بِتَقْدِيرِهَا بِنِصْفِ صَاعٍ بَلْ أَعَمُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمِعْرَاجِ أَعْطَى شَيْئًا فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُغَلِّفُ رَأْسَهُ) أَيْ يُغَطِّيهِ، وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَيْ تَأْوِيلُ أَبِي يُوسُفَ بِالتَّغْلِيفِ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ تَغْطِيَةَ الرَّأْسِ تُوجِبُ الْجَزَاءَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015