بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ الْجِنَايَاتِ)
لَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ الْعَوَارِضِ أَخَّرَهَا، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مَا تَجْنِيهِ مِنْ شَرٍّ أَيْ تُحْدِثُهُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ شَرًّا، وَهُوَ عَامٌّ إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَصْلُهُ مِنْ جَنْيِ الثَّمَرِ، وَهُوَ أَخْذُهُ مِنْ الشَّجَرِ، وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ شَرْعًا سَوَاءٌ حَلَّ بِمَالٍ أَوْ نَفْسٍ إلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصُّوهُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْفِعْلِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ وَخَصُّوا الْفِعْلَ فِي الْمَالِ بِاسْمِ الْغَصْبِ وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ، وَهُوَ مَا يَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ وَحَاصِلُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ الطِّيبُ وَلُبْسُ الْمَخِيطِ وَتَغْطِيَةُ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ، وَإِزَالَةُ الشَّعْرِ مِنْ الْبَدَنِ، وَقَصُّ الْأَظْفَارِ وَالْجِمَاعُ صُورَةً، وَمَعْنًى أَوْ مَعْنًى فَقَطْ وَتَرْكُ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ وَالتَّعَرُّضُ لِلصَّيْدِ وَحَاصِلُ الثَّانِي التَّعَرُّضُ لِصَيْدِ الْحَرَمِ وَشَجَرِهِ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ مِنْ الْأَوَّلِ فَقَالَ: (تَجِبُ شَاةٌ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ عُضْوًا، وَإِلَّا تَصَدَّقَ أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ أَوْ أَدْهَنَ بِزَيْتٍ) ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتَكَامَلُ بِتَكَامُلِ الِارْتِفَاقِ وَذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْكَامِلِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ كَمَالُ الْمُوجِبِ وَتَتَقَاصَرُ الْجِنَايَةُ فِيمَا دُونَهُ فَوَجَبَتْ الصَّدَقَةُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجِبُ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّمِ اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَبْلُغُ نِصْفَ الْعُضْوِ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ قَدْرَ نِصْفِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ رُبْعًا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ قَدْرَ رُبْعِ قِيمَةِ الشَّاةِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِ خِلَافٍ.
ثُمَّ مَا اخْتَارَهُ أَصْحَابُ الْمُتُونِ مِنْ أَنَّ الْكَثِيرَ هُوَ الْعُضْوُ وَالْقَلِيلَ مَا دُونَهُ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَنْ الْإِمَامِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إلَى أَنَّ الدَّمَ يَجِبُ بِالتَّطَيُّبِ الْكَثِيرِ وَالصَّدَقَةُ بِالْقَلِيلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُضْوَ، وَمَا دُونَهُ فَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ فَلَوْ كَانَ
بَابُ الْجِنَايَاتِ)