مَرْحَلَةً وَشِقُّ الْمَحْمِلِ جَانِبُهُ؛ لِأَنَّ لِلْمَحْمِلِ جَانِبَيْنِ وَيَكْفِي لِلرَّاكِبِ أَحَدُ جَانِبَيْهِ وَقَدْ رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ مِنْ الشَّرَائِطِ أَنْ يَجِدَ لَهُ مَنْ يَرْكَبُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْمُعَادِلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَا يَجِبْ الْحَجُّ عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا وَلَعَلَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرُوهُ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِإِمْكَانِ أَنْ يَضَعَ زَادَهُ وَقِرْبَتَهُ وَأَمْتِعَتَهُ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ وَقَدْ وَقَعَ لِي ذَلِكَ فِي الْحِجَّةِ الثَّانِيَةِ فِي الرَّجْعَةِ لَمْ أَجِدْ مُعَادِلًا يَصْلُحُ لِي فَفَعَلْت ذَلِكَ لَكِنْ حَصَلَ لِي نَوْعُ مَشَقَّةٍ حِينَ يَقِلُّ الْمَاءُ وَالزَّادُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ ثُمَّ الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ لَا بِالْإِبَاحَةِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِالْمِلْكِ، أَوْ الْإِجَارَةِ بِالْعَارِيَّةِ وَالْإِبَاحَةِ فَلَوْ بَذَلَ الِابْنُ لِأَبِيهِ الطَّاعَةَ وَأَبَاحَ لَهُ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَكَذَا لَوْ وُهِبَ لَهُ مَالٌ لِيَحُجَّ بِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ؛ لِأَنَّ شَرَائِطَ أَصْلِ الْوُجُوبِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُهَا عِنْدَ عَدَمِهَا ثُمَّ اشْتِرَاطُ الْقُدْرَةِ عَلَى الزَّادِ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى أَهْلِ مَكَّةَ
وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَشَرْطٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَأَمَّا هُوَ فَلَا وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُمْ مَشَقَّةٌ فَأَشْبَهَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ أَصْلًا فَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَفِي قَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمَسْكَنَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِلسُّكْنَى فَلَا تَثْبُتُ الِاسْتِطَاعَةُ بِدَارٍ يَسْكُنُهَا وَعَبْدٍ يَسْتَخْدِمُهُ وَثِيَابٍ يَلْبَسُهَا وَمَتَاعٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَتَثْبُتُ الِاسْتِطَاعَةُ بِدَارٍ لَا يَسْكُنُهَا وَعَبْدٍ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ يَفْضُلُ عَنْهُ حَتَّى يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَالِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهُ بِبَعْضِ ثَمَنِهِ وَيَحُجُّ بِالْفَضْلِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بَيْعُهُ لِذَلِكَ كَمَا لَا يَجِبُ بَيْعُ مَسْكَنِهِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى السُّكْنَى بِالْإِجَارَةِ اتِّفَاقًا بَلْ إنْ بَاعَ وَاشْتَرَى قَدْرَ حَاجَتِهِ وَحَجَّ بِالْفَضْلِ كَانَ أَفْضَلَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ وَعِنْدَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ ذَلِكَ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَحُجُّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَالَ مَشْغُولٌ بِالْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَفْضُلَ لَهُ مَالٌ بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِ التِّجَارَةِ بَعْدَ الْحَجِّ إنْ كَانَ تَاجِرًا وَكَذَا الدِّهْقَانُ وَالْمُزَارِعُ أَمَّا الْمُحْتَرِفُ فَلَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَرَأْسُ الْمَالِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْعِيَالِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ
قَالَ الشَّارِحُ وَيُعْتَبَرُ فِي نَفَقَةِ عِيَالِهِ الْوَسَطُ مِنْ غَيْرِ تَبْذِيرٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَقَدْ يُقَالُ اعْتِبَارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُسَافِرُ مَتَاعَهُ وَطَعَامَهُ (قَوْلُهُ وَلَمْ أَرَهُ لِأَئِمَّتِنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَلْ قَوَاعِدُنَا مُوَافِقَةٌ لَهُمْ وَأَنْتَ عَالِمٌ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِدْ مُعَادِلًا غَيْرُ قَادِرٍ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وَضْعِ زَادِهِ وَقِرْبَتِهِ إلَخْ فَاسِدٌ إذْ الْمَسْأَلَةُ مُصَوَّرَةٌ فِيمَنْ يَقْدِرُ عَلَى الشِّقِّ فَقَطْ وَحَيْثُ قَدَرَ عَلَى الْمَحْمِلِ فَلَا كَلَامَ فِي الْوُجُوبِ، تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَوْلَهَا كَأَهْلِهَا) قَالَ فِي الْمَنْسَكِ الْمُتَوَسِّطِ الْمُسَمَّى لُبَابَ الْمَنَاسِكِ وَمَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ كَالْمَكِّيِّ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرَّاحِلَةِ وَقِيلَ بَلْ مَنْ كَانَ دُونَ مُدَّةِ السَّفَرِ فَمَنْ كَانَ مِنْ مَكَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فَهُوَ كَالْآفَاقِيِّ فِي حَقِّ الرَّاحِلَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ جَمَاعَةٍ اهـ.
وَقَوَّى الثَّانِيَ شَارِحُهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي (قَوْلُهُ: وَفِي قَوْلِهِ وَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَخْ) وَجْهُ الْإِشَارَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ غَيْرُ الْمَسْكَنِ كَفَرَسِهِ وَسِلَاحِهِ وَثِيَابِهِ وَعَبْدِ خِدْمَتِهِ وَآلَاتِ حِرْفَتِهِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ، وَالْمَسْكَنُ مِثْلُهَا؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَاشْتِرَاطُ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْكَنِ يُشِيرُ إلَى اشْتِرَاطِهَا فِيهِ أَيْضًا وَجَعَلَ فِي النَّهْرِ الْإِشَارَةَ مِنْ الْعُدُولِ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالدَّارِ إلَى الْمَسْكَنِ وَمَا فَعَلَهُ الْمُؤَلِّفُ أَحْسَنُ لِئَلَّا يَرِدَ عَلَيْهِ مَا إذَا كَانَ سَاكِنًا فِيهِ وَيَسْتَغْنِي عَنْهُ بِسُكْنَاهُ فِي غَيْرِهِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنَهُ) الضَّمِيرُ فِي كَانَ يَعُودُ إلَى الدَّارِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَسْكَنِ أَوْ الْمَكَانِ أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَكَنًا لَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ إلَخْ فَقَوْلُهُ سَكَنَهُ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ خَبَرُ كَانَ وَهُوَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَسْكَنِ لَا فِعْلٌ وَقَوْلُهُ وَهُوَ كَبِيرٌ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ إلَخْ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ حُضُورِ الْوَقْتِ الَّذِي يَخْرُجُ فِيهِ أَهْلُ بَلَدِهِ فَلَوْ حَضَرَ تَعَيَّنَ أَدَاءُ النُّسُكِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ عَنْهُ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي اللُّبَابِ حَيْثُ قَالَ وَمَنْ لَهُ مَالٌ يُبَلِّغُهُ وَلَا مَسْكَنَ لَهُ وَلَا خَادِمَ فَلَيْسَ لَهُ صَرْفُهُ إلَيْهِ إنْ حَضَرَ الْوَقْتُ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ يَسْكُنُهُ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ قَالَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا فِي الْبَدَائِعِ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا خَادِمٌ وَلَهُ مَالٌ يَكْفِيهِ لِقُوتِ عِيَالِهِ مِنْ وَقْتِ ذَهَابِهِ إلَى حِينِ إيَابِهِ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تُبَلِّغُهُ إلَى الْحَجِّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْحَجِّ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ بِمِلْكِ الدَّرَاهِمِ فَلَا يُعْذَرُ فِي التَّرْكِ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ شِرَاءِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَسْكَنِ وَالْخَادِمِ فَإِنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِبَيْعِهِمَا اهـ.
عَلَى أَنَّهُ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنَّ عِبَارَةَ الْخُلَاصَةِ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَنَصُّ عِبَارَتِهَا نَاقِلًا عَنْ التَّجْرِيدِ إنْ كَانَ لَهُ دَارٌ لَا يَسْكُنُهَا وَعَبْدٌ لَا يَسْتَخْدِمُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَحُجَّ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ يَبْلُغُ بِهَا الْحَجَّ وَيَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَثَوْبٍ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِ الْحَجِّ أَثِمَ اهـ.
فَتَعَيَّنَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ اللُّبَابِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة أَيْضًا (قَوْلُهُ: إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْخُلَاصَةِ) أَقُولُ: الَّذِي رَأَيْته فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافُهُ وَنَصُّهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ دَرَاهِمُ تَبْلُغُ بِهِ الْحَجَّ وَتَبْلُغُ ثَمَنَ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ وَطَعَامٍ وَقُوتٍ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَإِنْ جَعَلَهَا فِي غَيْرِهِ أَثِمَ اهـ بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ اعْتِبَارُ