خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ فَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ إلَى أَنَّهُ يُوضَعُ عَنْهُ الْخِطَابُ كَالصَّبِيِّ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَذَهَبَ الدَّبُوسِيُّ فِي التَّقْوِيمِ إلَى أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْعِبَادَاتِ احْتِيَاطًا وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَلَى مُقْعَدٍ وَلَا عَلَى زَمِنٍ وَلَا مَفْلُوجٍ وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالشَّيْخِ الَّذِي لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَجْبُوسِ وَالْخَائِفِ مِنْ السُّلْطَانِ الَّذِي يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى الْحَجِّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُمَا

وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِحْجَاجُ فَإِنْ أَحَجُّوا أَجْزَأَهُمْ مَا دَامَ الْعَجْزُ مُسْتَمِرًّا بِهِمْ فَإِنْ زَالَ فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ بِأَنْفُسِهِمْ وَظَاهِرُ مَا فِي التُّحْفَةِ اخْتِيَارُهُ فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْإِسْبِيجَابِيُّ وَقَوَّاهُ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَشَى عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُ وَمِنْ شَرَائِطِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عِنْدَهُمَا وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي وُجُوبِ الْإِحْجَاجِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْإِيصَاءِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ صَحِيحٌ أَمَّا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ زَالَتْ الصِّحَّةُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَتَقَرَّرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْجَاجُ اتِّفَاقًا أَمَّا إنْ خَرَجَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَلَا فَرْقَ فِي الْأَعْمَى بَيْنَ أَنْ يَجِدَ قَائِدًا، أَوْ لَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْقَادِرَ بِقُدْرَةِ غَيْرِهِ لَيْسَ بِقَادِرٍ وَلَوْ تَكَلَّفَ هَؤُلَاءِ الْحَجَّ بِأَنْفُسِهِمْ سَقَطَ عَنْهُمْ حَتَّى لَوْ صَحُّوا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأَدَاءُ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ الْوُجُوبِ عَنْهُمْ لِدَفْعِ الْحَرَجِ فَإِذَا تَحَمَّلُوهُ وَقَعَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ

وَأَمَّا الْقُدْرَةُ عَلَى الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ شَرْطِ الْوُجُوبِ فَلَا وُجُوبَ أَصْلًا يَتَعَلَّقُ بِالْفَقِيرِ لِاشْتِرَاطِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي آيَةِ الْحَجِّ وَفُسِّرَتْ بِهِمَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْأُصُولِ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ تَبَعًا لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُمْكِنَةَ كَالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ لِلْحَجِّ شَرْطُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا شَرْطُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ جَبْرِيٌّ لَا صُنْعَ لِلْعَبْدِ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ تَكْلِيفٌ؛ لِأَنَّهُ طَلَبُ إيقَاعِ الْفِعْلِ مِنْ الْعَبْدِ وَنَفْسُ الْوُجُوبِ لَيْسَ كَذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ صَوْمَ الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَاجِبٌ وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمَا وَكَذَا الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَجْنُونٍ لَيْسَ لَهُ قَابِلِيَّةُ النِّيَّةِ فِي الْإِحْرَامِ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالثَّانِي عَلَى الَّذِي لَهُ بَعْضُ الْإِدْرَاكَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَلَى صِحَّةِ حَجِّ الصَّبِيِّ الْغَيْرِ الْمُمَيِّزِ إذَا نَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ فِي النِّيَّةِ كَذَا فِي شَرْحِ لُبَابِ الْمَنَاسِكِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي أَقُولُ: الْمُتَعَيِّنُ حَمْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ عَلَى أَدَاءِ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ بِنَفْسِهِمَا بِلَا وَلِيٍّ وَحَمْلُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ عَلَى مَا إذَا أَحْرَمَ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا فَإِنَّ الْمَجْنُونَ كَالصَّبِيِّ فِي ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا عَنْ الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَغَيْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالصِّحَّةِ صِحَّةُ الْجَوَارِحِ) قَالَ فِي النَّهْرِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَرِيضُ إذَا كَانَ صَحِيحَ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ فَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الْبَدَنِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَعْمَى كَذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يَنْفُذُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَسَّرَ بِسَلَامَةِ الْبَدَنِ مِنْ الْآفَاتِ الْمَانِعَةِ عَنْ الْقِيَامِ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي السَّفَرِ (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ أَدَاءُ الْحَجِّ عَلَى مُقْعَدٍ إلَخْ) الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ فَلَا يَجِبُ الْحَجُّ إلَخْ وَيُسْقِطَ لَفْظَةَ أَدَاءُ لِيُوَافِقَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْحَجُّ بِأَنْفُسِهِمْ وَلَا الْإِحْجَاجُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ فَيُنَافِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْأَدَاءِ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَا مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَقْطُوعَ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ وَمَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ كَذَلِكَ لِظُهُورِ الْحَرَجِ عَلَيْهِمَا إنْ وَقَعَ التَّكْلِيفُ لِلْحَجِّ بِأَنْفُسِهِمَا ثُمَّ رَأَيْت الْكَرْمَانِيَّ نَصَّ عَلَى مَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ أَيْضًا فَمَقْطُوعُ الرِّجْلِ الْوَاحِدَةِ بِالْأَوْلَى كَذَا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ لِمُنْلَا عَلِيٍّ الْقَارِي (قَوْلُهُ: وَالْمَحْبُوسُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ مُنْلَا عَلِيٌّ الْقَارِي فِي شَرْحِهِ عَلَى لُبَابِ الْمَنَاسِكِ نُقِلَ عَنْ شَمْسِ الْإِسْلَامِ أَنَّ السُّلْطَانَ وَمَنْ بِمَعْنَاهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ ذَوِي الشَّأْنِ مُلْحَقٌ بِالْمَحْبُوسِ فِي هَذَا الْحُكْمِ فَيَجِبُ الْحَجُّ فِي مَالِهِ يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مُسْتَغْرَقٍ لِحُقُوقِ النَّاسِ فِي ذِمَّتِهِ دُونَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى خَرَجَ مِنْ مَمْلَكَتِهِ تَخْرَبُ الْبِلَادُ وَتَقَعُ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْعِبَادِ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَرُبَّمَا لَا يُمَكِّنُهُ مَلِكٌ آخَرُ مِنْ الدُّخُولِ فِي حَدِّ مَمْلَكَتِهِ فَتَقَعَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ تُفْضِي إلَى مَضَرَّةٍ بَلِيغَةٍ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ تَكُونُ سَلْطَنَتُهُ ثَابِتَةً بِالشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَيْهِ خَلْعُ نَفْسِهِ وَإِقَامَةُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ مَقَامَهُ فِي أَمْرِهِ إنْ لَمْ يَتَفَرَّعْ عَلَيْهِ فَسَادُ عَسْكَرِهِ اهـ.

مِمَّا فِي شَرْحِ اللُّبَابِ (قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي التُّحْفَةِ اخْتِيَارُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ تَقَدَّمَ فِي تَعْدَادِ الشَّرَائِطِ أَنَّ مِنْ شَرَائِطِ الْوُجُوبِ الصِّحَّةُ عَلَى الْأَصَحِّ تَأَمَّلْ اهـ.

وَذَكَرَ مُنْلَا عَلِيٌّ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ أَنَّهُ مَشَى عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ وَأَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ الْعَمِيقِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَأَنَّ الثَّانِيَ صَحَّحَهُ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ وَاخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَمِنْهُمْ ابْنُ هَمَّامٍ اهـ.

فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ (قَوْلُهُ: كَالْفَقِيرِ إذَا حَجَّ) أَيْ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ حَتَّى لَوْ اسْتَغْنَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مُعَلَّلٌ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّ عَدَمَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ كَالْعَبْدِ بَلْ لِلتَّرْفِيهِ وَدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ فَإِذَا تَحَمَّلَهُ وَجَبَ ثُمَّ يَسْقُطُ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ رَمَضَانَ وَالثَّانِي أَنَّ الْفَقِيرَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015