يُقَالَ: الْأَصْلُ الصَّحْوُ وَالْغَيْمُ عَارِضٌ، وَلَا عِبْرَةَ بِهِ قَبْلَ تَحَقُّقِهِ، وَهُمْ إنَّمَا ذَكَرُوا التَّسَاوِيَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْغَيْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَةِ صَوْمِ غَيْرِ التَّطَوُّعِ، وَلَا لِصِفَتِهِ مِنْ الْإِبَاحَةِ وَالِاسْتِحْبَابِ أَمَّا صَوْمُ غَيْرِ التَّطَوُّعِ، فَإِنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ عَنْ رَمَضَانَ كَانَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لِلتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّهُمْ زَادُوا فِي صَوْمِهِمْ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، وَفِي اسْتِحْبَابِهِ إنْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَعْتَادُهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَيُجْزِئُهُ إنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لِمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَّا فَهُوَ تَطَوُّعٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْإِفْسَادِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَظْنُونِ، وَإِنْ جَزَمَ بِكَوْنِهِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ الَّتِي مَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ التَّقَدُّمِ خَاصٌّ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَكِنْ كُرِهَ لِصُورَةِ النَّهْيِ الْمَحْمُولِ عَلَى رَمَضَانَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا عُرِفَ إنْ كَانَ مُقِيمًا وَإِلَّا أَجْزَأَهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ كَمَا لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ عَلَى الْأَصَحِّ
وَإِنْ جَزَمَ بِالتَّطَوُّعِ فَلَا كَلَامَ فِي عَدَمِ كَرَاهَتِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اسْتِحْبَابِهِ إنْ لَمْ يُوَافِقْ صَوْمَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُتَلَوَّمَ، وَلَا يَأْكُلَ، وَلَا يَنْوِيَ الصَّوْمَ مَا لَمْ يَتَقَارَبْ انْتِصَافُ النَّهَارِ فَإِنْ تَقَارَبَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ الْأَفْضَلُ صَوْمُهُ وَقِيلَ فِطْرُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ أَنْ يَصُومُوا تَطَوُّعًا، وَيُفْتُوا بِذَلِكَ خَاصَّتَهُمْ وَيُفْتُوا الْعَامَّةَ بِالْإِفْطَارِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو نَصْرٍ يَقُولَانِ: الْفِطْرُ أَحْوَطُ؛ لِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لَوْ أَفْطَرُوا وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّوْمِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُكْرَهُ وَيَأْثَمُ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَوْلُهُمْ: يَصُومُ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصُومُ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ عَنْ النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: وَيُفْتُوا بِالصَّوْمِ خَاصَّتَهُمْ وَأَمَّا إذَا رَدَّدَ فَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِهَا كَأَنْ نَوَى أَنْ يَصُومَ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِصَائِمٍ وَهَذِهِ صَحِيحَةٌ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ
وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَغْرَمَ لَيْلَةَ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ صَائِمٌ عَنْ رَمَضَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ فَلَيْسَ بِصَائِمٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا اهـ.
وَإِنْ رَدَّدَ فِي وَصْفِهَا فَلَهُ صُورَتَانِ أَحَدُهُمَا مَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ مَكْرُوهَيْنِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ وَإِلَّا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْإِفْسَادِ، وَلَا يَكُونُ عَنْ الْوَاجِبِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهِ وَالثَّانِيَةُ إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ فَهُوَ مَكْرُوهٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْهُ أَجْزَأَهُ، وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِصَوْمِ مَا قَبْلَهُ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إنْ وَافَقَ يَوْمُ الشَّكِّ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ صَامَ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِهِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ بِكَوْنِ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ عَادَةً وَصَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّوْمِ قَبْلَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ» وَإِنَّمَا كُرِهَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى رَمَضَانَ إذَا اعْتَادُوا ذَلِكَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَهُ عَادَةٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ مُطْلَقًا، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي التَّقَدُّمِ بِثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ وَيُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ، وَأَمَّا صَوْمُ الشَّكِّ فَلَا يُكْرَهُ بِنِيَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعُهْدَةِ الْوَاجِبِ
(قَوْلُهُ: وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا يُفِيدُ أَنَّ التَّلَوُّمَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَأَنَّ مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْجَزْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَهُوَ مِنْ الْعَامَّةِ اهـ.
وَفِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ تَأَمُّلٌ وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ خِلَافُهَا (قَوْلُهُ: عَنْ الْإِضْجَاعِ عَنْ النِّيَّةِ) أَيْ التَّرْدِيدِ فِيهَا وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِفِي بَدَلَ عَنْ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ التَّرَدُّدُ فِيهَا، وَأَنَّ لَايَنَهَا مِنْ ضَجَعَ فِي الْأَمْرِ إذَا، وَهِيَ فِيهِ وَقَصَّرَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ (قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ) مُقْتَضَى مَا مَرَّ مِنْ حَمْلِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ التَّقَدُّمِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَشُرَّاحُهَا وَظَاهِرُ مَا مَرَّ عَنْ التُّحْفَةِ خِلَافُهُ، وَفِي الشرنبلالية قَالَ فِي الْفَوَائِدِ: وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقَدَّمُوا» إلَخْ التَّقْدِيمُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيمَ بِالشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ قَبْلَ حِينِهِ وَأَوَانِهِ وَوَقْتِهِ وَزَمَانِهِ، وَشَعْبَانُ وَقْتُ التَّطَوُّعِ فَإِذَا صَامَ عَنْ شَعْبَانَ لَمْ يَأْتِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ زَمَانِهِ وَأَوَانِهِ فَلَا يَكُونُ هَذَا تَقَدُّمًا عَلَيْهِ اهـ.
كَذَا بِخَطِّ أُسْتَاذِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَبِهَذَا تَنْتَفِي كَرَاهَةُ صَوْمِ الشَّكِّ تَطَوُّعًا اهـ. كَلَامُ الشرنبلالية
وَفِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ: لَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَبْلَ رَمَضَانَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «لَا تَقَدَّمُوا» الْحَدِيثَ اسْتِقْبَالُ الشَّهْرِ بِصَوْمٍ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ زِيَادَةً عَلَى الْفَرْضِ، وَفِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ قِيلَ فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِ يَوْمٍ وَيَوْمَيْنِ وَحُكْمُ الْأَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ أُجِيبَ بِأَنَّ يَوْمًا وَيَوْمَيْنِ مَا وَصَلَ إلَى حَدِّ الْكَثْرَةِ فَيَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ بِأَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ فَيَجُوزُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَفَى ذَلِكَ، وَفِي السَّعْدِيَّةِ يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْمُحْتَمَلَ هُوَ التَّقَدُّمُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ مِنْ الْمُمَارَسَيْنِ بِعِلْمِ حِسَابِ النُّجُومِ