الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَافِي أَوْلَى وَأَوْجَزُ، وَهِيَ: وَيُصَامُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ إكْمَالِ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ ثُبُوتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَجِيئِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِوُجُوبِ الْتِمَاسِهِ، وَلَا شَكٌّ فِي وُجُوبِهِ عَلَى النَّاسِ وُجُوبَ كِفَايَةٍ، وَيَنْبَغِي فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ بِمَعْنَاهُ وَوَقْتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ: يَجِبُ الْتِمَاسُهُ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَقْتَ الْغُرُوبِ، وَقَوْلُ بَعْضُهُمْ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ تَسَاهُلٌ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُوَ لِلْمَاضِيَةِ وَالْمُخْتَارُ قَوْلُهُمَا لَكِنْ لَوْ أَفْطَرُوا لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَفْطَرُوا بِتَأْوِيلٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ، وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ وَتُكْرَهُ الْإِشَارَةُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ تَحَرُّزًا عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ: وَمَنْ قَالَ: يَرْجِعُ فِيهِ إلَى قَوْلِهِمْ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرْعَ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ مُنَجِّمًا فَصَدَّقَهُ بِمَا قَالَ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» (قَوْلُهُ: وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَهُوَ اسْتِوَاءُ طَرَفَيْ الْإِدْرَاكِ مِنْ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَمُوجِبُهُ هُنَا أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ، أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَأُكْمِلَتْ عِدَّتُهُ، وَلَمْ يُرَ هِلَالُ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ لَيْسَ الظَّاهِرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثِينَ بَلْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ كَمَا يَكُونُ ثَلَاثِينَ فَيَسْتَوِي هَاتَانِ الْحَالَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَمَا يُعْطِيهِ الْحَدِيثُ الْمَعْرُوفُ فِي الشَّهْرِ فَاسْتَوَى الْحَالُ حِينَئِذٍ فِي الثَّلَاثِينَ أَنَّهُ مِنْ الْمُنْسَلِخِ أَوْ الْمُسْتَهِلِّ إذَا كَانَ غَيْمٌ فَيَكُونُ مَشْكُوكًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْمُسْتَهَلِّ لَرُئِيَ عِنْدَ التَّرَائِيِ فَلَمَّا لَمْ يُرَ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُنْسَلِخَ ثَلَاثُونَ فَيَكُونُ هَذَا الْيَوْمُ مِنْهُ غَيْرَ مَشْكُوكٍ فِي ذَلِكَ كَذَا ذَكَرُوا
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ كَوْنَهُ ثَلَاثِينَ هُوَ الْأَصْلُ، وَالنُّقْصَانُ عَارِضٌ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ الَّذِي أَفْطَرَ رَمَضَانَ قَضَاءُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إذَا لَمْ يَعْلَمْ صَوْمَ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلَوْ كَانَ عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ كَوْنِهِ كَامِلًا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الصَّحْوِ أَمَّا عِنْدَ الْغَيْمِ فَلَا إلَّا أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الثُّبُوتِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُفِيدُ تَوَقُّفَ الصَّوْمِ عَلَى ثُبُوتِهِ يَعْنِي عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَلْ إنَّ السَّبَبَ لِثُبُوتِهِ أَحَدُ هَذَيْنِ لَا غَيْرُ اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثُّبُوتِ اللُّزُومُ وَالْوُجُوبُ أَيْ وَيَلْزَمُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ إلَخْ أَوْ الْمُرَادُ التَّبَيُّنُ كَمَا قَالَهُ الرَّمْلِيُّ (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ بِمَعْنَاهُ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَيَنْبَغِي لِلنَّاسِ أَنْ يَلْتَمِسُوا الْهِلَالَ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ تَسَاهُلٌ، فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ عَشِيَّتُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ: وَفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالِالْتِمَاسِ قَبْلَ الْغُرُوبِ اهـ.
وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنْ يَنْبَغِيَ حَيْثُ كَانَ بِمَعْنَى يَجِبُ فَالتَّسَاهُلُ بَاقٍ؛ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَهُ كَذَا فِي النَّهْرِ
(قَوْلُهُ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا إلَخْ) نَقَلَ فِي الْإِمْدَادِ عَنْ شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ فِي الْحَدِيثِ مَنْ يُخْبِرُ بِالْغَيْبِ أَوْ يَدَّعِي مَعْرِفَتَهُ فَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ، وَيَكُونُ تَصْدِيقُهُ كُفْرًا أَمَّا أَمْرُ الْأَهِلَّةِ فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بَلْ مُعْتَمَدُهُمْ فِيهِ الْحِسَابُ الْقَطْعِيُّ فَلَيْسَ مِنْ الْإِخْبَارِ عَنْ الْغَيْبِ أَوْ دَعْوَى مَعْرِفَتِهِ فِي شَيْءٍ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: 5] وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ إلَخْ) فَالشَّكُّ فِي الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ عَلَى الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ شَعْبَانَ وَعَلَى الثَّانِي هَلْ هُوَ الثَّلَاثُونَ أَوْ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ، وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ عَنْ الْبُرْجَنْدِيِّ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْصُلَ الشَّكُّ بِرَدِّ الشَّهَادَةِ، وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ الشَّكُّ بِأَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِالرُّؤْيَةِ، وَلَا يَثْبُتَ اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمِمَّا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ كَلَامِ غَيْرِ أَصْحَابِنَا مَا إذَا شَهِدَ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّحْوِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِغَلَطِهِ عِنْدَنَا لِظُهُورِهِ فَمُقَابِلُهُ مَوْهُومٌ لَا مَشْكُوكٌ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْمٍ فَهُوَ شَكٌّ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ اهـ.
وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْمُجْتَبَى وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمِعْرَاجِ يَوْمُ الشَّكِّ هُوَ مَا إذَا لَمْ يَرَ عَلَامَةً لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ، وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ، أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَاهِدَانِ فَاسِقَانِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً، وَلَمْ يَرَ الْهِلَالَ أَحَدٌ فَلَيْسَ بِيَوْمِ الشَّكِّ، وَلَا يَجُوزُ صَوْمُهُ ابْتِدَاءً لَا فَرْضًا، وَلَا نَفْلًا لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ الشَّكَّ يَتَحَقَّقُ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ اعْتِبَارِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِجَوَازِ تَحَقُّقِ الرُّؤْيَةِ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى نَعَمْ عَلَى مُقَابِلِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ عَنْ الزَّاهِدِيِّ بَلْ فِي السِّرَاجِ عَنْ الْإِيضَاحِ لَوْ لَمْ يُغَمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ وَكَانَتْ مُصْحِيَةً يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ بِشَكٍّ، وَأَنْ يُقَالَ: إنَّهُ شَكٌّ لِلتَّقْصِيرِ فِي طَلَبِ الْهِلَالِ أَوْ لِعَدَمِ إصَابَةِ الْمَطَالِعِ اهـ.
لَكِنْ قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّ الْأَوَّلَ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَالثَّانِي عَلَى اعْتِبَارِهَا لَمْ يَبْعُدْ (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَا عَلَى السَّوَاءِ لَمْ يَلْزَمْ الزَّائِدُ بِالشَّكِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَجَبَ عَلَى الْمَرِيضِ قَضَاءُ ثَلَاثِينَ احْتِيَاطًا لِلْخُرُوجِ عَنْ