بِأُخْرَى أَتَمَّهَا وَاسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ عَلَى الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَاهَا لِلْأُخْرَى أَيْضًا يَصِيرُ مُكَبِّرًا ثَلَاثًا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَرْبَعِ لَا تَتَأَدَّى بِتَحْرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَفِي الْغَايَةِ لِلسُّرُوجِيِّ، فَإِنْ قُلْت: التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى لِلْإِحْرَامِ، وَهِيَ شَرْطٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى التَّحْرِيمَةِ الْأُولَى لِكَوْنِهَا غَيْرَ رُكْنٍ قِيلَ لَهُ التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ وَصَلَاةِ النَّافِلَةِ اهـ.
وَأَمَّا مَا يُفْسِدُهَا فَمَا أَفْسَدَ الصَّلَاةَ أَفْسَدَهَا إلَّا الْمُحَاذَاةَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَتُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَلَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ فِيهَا تَأَدَّتْ الصَّلَاةُ، وَلَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ غَيْرَهُ فِيهَا جَازَ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ) أَيْ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيمَهُ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهُ عَلَى مَا تَقْدِيمُهُ وَاجِبٌ وَهُوَ السُّلْطَانُ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ تَقْدِيمَهُ مُسْتَحَبٌّ بِخِلَافِ السُّلْطَانِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَإِنَّمَا قَالُوا تَقْدِيمُهُ مُسْتَحَبٌّ؛ لِأَنَّ فِي التَّقَدُّمِ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ إفْسَادُ أَمْرِ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ التَّقَدُّمِ عَلَى السُّلْطَانِ حَيْثُ يَلْزَمُ ذَلِكَ فَلِذَا وَجَبَ تَقْدِيمُهُ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ إمَامِ مَسْجِدِ حَيِّهِ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَلِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى اهـ.
وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ، وَكَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ اهـ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِمَامِ الْحَيِّ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْخَاصِّ لِلْمَحَلَّةِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ فِي إمَامِ الْمُصَلَّى الْمَبْنِيَّةِ لِصَلَاةِ الْأَمْوَاتِ فِي الْأَمْصَارِ فَإِنَّ الْبَانِيَ يَشْرِطُ لَهَا إمَامًا خَاصًّا وَيَجْعَلُ لَهُ مَعْلُومًا مِنْ وَقْفِهِ فَهَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَلِيِّ إلْحَاقًا لَهُ بِإِمَامِ الْحَيِّ أَوْ لَا؟ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامِ الْحَيِّ لِتَعْلِيلِهِمْ إيَّاهُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ رَضِيَ بِالصَّلَاةِ خَلْفَهُ حَالَ حَيَاتِهِ وَهَذَا خَاصٌّ بِإِمَامِ مَسْجِدِ مَحَلَّتِهِ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُقَرَّرًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي فَهُوَ كَنَائِبِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُقَرِّرُ لَهُ النَّاظِرَ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَلِيُّ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهِ وَالْوِلَايَةُ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي غُسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ كَيْ لَا يَكُونَ ازْدِرَاءً بِهِ، ثُمَّ التَّرْتِيبُ فِي الْأَوْلِيَاءِ كَتَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ فِي الْإِنْكَاحِ لَكِنْ إذَا اجْتَمَعَ أَبُو الْمَيِّتِ وَابْنُهُ كَانَ الْأَبُ أَوْلَى بِالِاتِّفَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ فَضِيلَةً عَلَى الِابْنِ وَزِيَادَةَ سِنٍّ، وَالْفَضِيلَةُ وَالزِّيَادَةُ تُعْتَبَرُ تَرْجِيحًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِمَامَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ جَاهِلًا وَالِابْنُ عَالِمًا يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الِابْنِ كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ لَا تُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهَا لِلْعِلْمِ وَيُعْتَبَرُ الْأَسَنُّ فِيهَا فَالْأَخَوَانِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَسَنُّهُمَا أَوْلَى، فَإِنْ أَرَادَ الْأَسَنُّ أَنْ يُقَدِّمَ أَحَدًا كَانَ لِلْأَصْغَرِ أَنْ يَمْنَعَ، فَإِنْ قَدَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَجُلًا آخَرَ فَاَلَّذِي قَدَّمَهُ الْأَسَنُّ أَوْلَى وَكَذَلِكَ الِابْنَانِ عَلَى هَذَا، وَكَذَلِكَ أَبْنَاءُ الْعَمِّ، فَإِنْ كَانَ الْأَخُ الْأَصْغَرُ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَالْأَكْبَرُ لِأَبٍ فَالْأَصْغَرُ أَوْلَى كَمَا فِي الْمِيرَاثِ، فَإِنْ قُدِّمَ الْأَصْغَرُ جِدًّا فَلَيْسَ لِلْأَكْبَرِ أَنْ يَمْنَعَهُ، فَإِنْ كَانَ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ غَائِبًا وَكَتَبَ لِإِنْسَانٍ لِيَتَقَدَّمَ فَلِلْأَخِ لِأَبٍ أَنْ يَمْنَعَهُ، وَحَدُّ الْغَيْبَةِ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى أَنْ يَقْدُمَ وَيُدْرِكَ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْتَظِرُ النَّاسُ قُدُومَهُ، وَالْمَرِيضُ فِي الْمِصْرِ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ مَنْعُهُ، وَلَوْ مَاتَتْ امْرَأَةٌ، وَلَهَا أَبٌ وَابْنٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ وَزَوْجٌ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَا ثُمَّ الِابْنُ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَالزَّوْجُ أَحَقُّ مِنْ الْوَلَدِ، وَلَوْ مَاتَ ابْنٌ، وَلَهُ أَبٌ وَأَبُو أَبٍ فَالْوِلَايَةُ لِأَبِيهِ وَلَكِنَّهُ يُقَدِّمُ أَبَاهُ جَدَّ الْمَيِّتِ تَعْظِيمًا لَهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ بَعْضُهُمْ يَحْمَدُ اللَّهَ كَمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ الْإِمَامِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ، وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ إلَّا عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ اهـ وَمِثْلُهُ فِي الْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَى مَا سَبَقَ فِي الْإِمَامَةِ تَقْدِيمُهُ حَتَّى عَلَى إمَامِ الْحَيِّ وَذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ إمَامِ الْحَيِّ كَالْأَعْلَمِ مَنْدُوبٌ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الرَّاتِبَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَكَذَا هُنَا إذْ لَا فَرْقَ يَظْهَرُ وَتَعَقَّبَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ بِأَنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ هُنَا وِلَايَةَ تَقْدِيمٍ خَاصَّةً؛ وَلِذَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إذَا صَلَّى غَيْرَ الْأُولَى وَلَيْسَ ثَمَّ كَذَلِكَ فَإِذَا كَانَ مُقَرَّرًا مِنْ الْقَاضِي كَانَ كَنَائِبِهِ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ دُونَهُ. اهـ وَأَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَجْعَلُونَ الْإِمَامَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ لِلْغُرَبَاءِ وَاَلَّذِينَ لَا وَلِيَّ لَهُمْ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا اهـ.
أَقُولُ: وَهَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَقْرِيرَ الْقَاضِي لَهُ لِتَعْيِينِ مَنْ يُبَاشِرُ هَذِهِ الْوَظِيفَة لَا لِيَكُونَ نَائِبًا عَنْ الْقَاضِي وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَرَّرَهُ الْقَاضِي فِي وَظِيفَةِ إمَامَةٍ أَنْ يَكُونَ نَائِبًا عَنْهُ مُقَدَّمًا عَلَى إمَامِ الْحَيِّ وَالْوَلِيِّ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ صِفَةُ الْعِلْمِ تُوجِبُ التَّقْدِيمَ فِيهَا أَيْضًا، أَلَا تَرَى إلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ إنَّمَا يُقَدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ نَعَمْ عَلَّلَ الْقُدُورِيُّ كَرَاهَةَ تَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى أَبِيهِ بِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَ تَقْدِيمِهِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ تَقْدِيمَهُ وَاجِبٌ بِالسُّنَّةِ، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَلَهُ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ أَنْ يُقَدِّمَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ لَهُ، وَإِنَّمَا مُنِعَ عَنْ التَّقَدُّمِ حَتَّى لَا يَسْتَخِفَّ بِأَبِيهِ فَلَمْ تَسْقُطْ وِلَايَتُهُ فِي التَّقْدِيمِ