وَصِيَانَةً لِلْمَيِّتِ عَنْ سُرْعَةِ الْفَسَادِ، وَهِيَ مَوْضِعُ سُجُودِهِ جَمْعُ مَسْجِدٍ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهَا الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهَا الْجَبْهَةُ وَالْيَدَانِ وَالرُّكْبَتَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَنْفَ وَالْقَدَمَيْنِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي الْغُسْلِ اسْتِعْمَالَ الْقُطْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُجْعَلُ الْقُطْنُ الْمَحْلُوجُ فِي مَنْخِرَيْهِ وَفَمِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي صِمَاخَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي دُبُرِهِ أَيْضًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتَقْبَحَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَلَا يَقُصُّ ظُفْرَهُ وَشَعْرَهُ) ؛ لِأَنَّهَا لِلزِّينَةِ، وَقَدْ اسْتَغْنَى عَنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الصَّنِيعَ لَا يَجُوزُ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ أَمَّا التَّزَيُّنُ بَعْدَ مَوْتِهَا وَالِامْتِشَاطُ وَقَطْعُ الشَّعْرِ لَا يَجُوزُ وَالطِّيبُ يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرَاهَا، وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْمَيِّتِ وَذَكَرَ اللِّحْيَةَ مَعَ الشَّعْرِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ اهْتِمَامًا بِمَنْعِ تَسْرِيحِهَا، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ قَبِيلِ التَّكْرَارِ كَمَا تَوَهَّمَهُ الشَّارِحُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَلَوْ تَكَسَّرَ ظُفْرُ الْمَيِّتِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤْخَذَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ صِفَةَ الْغُسْلِ، وَمَنْ يَغْسِلُ وَالْغَاسِلَ وَحُكْمَ الْمَيِّتِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَتَجْهِيزِهِ وَدَفْنِهِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهَا قُوتِلُوا، وَلَوْ صَلَّوْا عَلَيْهِ قَبْلَ الْغُسْلِ أَعَادُوا الصَّلَاةَ، وَكَذَا إذَا ذَكَرُوا قَبْلَ أَنْ يُهَالَ عَلَيْهِ التُّرَابُ يُنْزَعُ اللَّبَنُ وَيُخْرَجُ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَإِنْ أَهَالُوهُ لَمْ يُنْبَشْ، وَلَمْ تُعَدْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَلَوْ بَقِيَ مِنْهُ عُضْوٌ فَذَكَرُوهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَالتَّكْفِينِ يُغَسَّلُ ذَلِكَ الْعُضْوُ وَيُعَادُ، فَإِنْ بَقِيَ أُصْبُعٌ وَنَحْوُهَا بَعْدَ التَّكْفِينِ لَا يُغَسَّلُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُغَسَّلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الْقُنْيَةِ وَجَدَ رَأْسَ آدَمِيٍّ لَا يُغَسَّلُ، وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَوْ غُسِّلَ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَلَوْ مَاتَ فِي بَيْتِهِ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ لَا نَرْضَى بِغُسْلِهِ فِيهِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ غُسْلَهُ فِي بَيْتِهِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْوَرَثَةِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ مَجَّانًا، فَإِنْ ابْتَغَى الْغَاسِلُ الْأَجْرَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِئْجَارِ الْخَيَّاطِ لِخِيَاطَةِ الْكَفَنِ وَأُجْرَةِ الْحَامِلِينَ وَالْحَفَّارِ وَالدَّفَّانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ؛ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ وَجَرَيَانُ الْمَاءِ وَإِصَابَةُ الْمَطَرِ لَيْسَ بِغُسْلٍ وَالْغَرِيقُ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا نَوَى الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَةٍ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الظَّاهِرُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِيهِ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ هُوَ وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَيِّتٌ غَسَلَهُ أَهْلُهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ اهـ.
وَاخْتَارَهُ فِي الْغَايَةِ والإسبيجابي؛ لِأَنَّ غُسْلَ الْحَيِّ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ النِّيَّةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةٍ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْفَتْحِ كَانَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ذَكَرَ فِيهَا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ إلَخْ) كَانَ نُكْتَةً ذَكَرَهُ ذَلِكَ بَعْدَ كَلَامِ الْفَتْحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ قَوْلَ قَاضِي خَانْ أَجْزَأَهُمْ وَإِطْلَاقُ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْغَايَةِ والإسبيجابي رُبَّمَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ تَأَمَّلْ ثُمَّ رَأَيْت الْحَلَبِيَّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ بَحَثَ مَعَ الْفَتْحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفِيدُ أَنَّ الْفَرْضَ فِعْلُ الْغُسْلِ لَهُ مِنَّا حَتَّى لَوْ غَسَّلَهُ لِتَعْلِيمِ الْغَيْرِ كَفَى، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ النِّيَّةِ لِإِسْقَاطِ الْوُجُوبِ بِحَيْثُ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ بِتَرْكِهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مَا وَجَبَ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا إيجَادُهُ كَالسَّعْيِ وَالطَّهَارَةِ نَعَمْ لَا يُنَالُ ثَوَابُ الْعِبَادَةِ بِدُونِهَا. اهـ.
وَنَقَلَ كَلَامَهُ الْبَاقَانِيُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ وُجِدَ الْمَيِّتُ فِي الْمَاءِ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ يَتَوَجَّهُ إلَى بَنِي آدَمَ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ فِعْلٌ. اهـ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ مِنْ الْفِعْلِ، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَشَرْطٌ لِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ؛ وَلِذَا صَحَّ تَغْسِيلُ الذِّمِّيَّةِ زَوْجَهَا كَمَا سَيَأْتِي مَعَ أَنَّ النِّيَّةَ مِنْ شُرُوطِهَا الْإِسْلَامُ فَظَهَرَ أَنَّ مَا اسْتَظْهَرَهُ فِي الْفَتْحِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ الظَّاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْخَانِيَّةِ وَاخْتَارَهُ فِي الْغَايَةِ والإسبيجابي ثُمَّ الظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ الشَّرْطَ حُصُولُ الْفِعْلِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَوْ لَا بِدَلِيلِ قِصَّةِ حَنْظَلَةَ غَسِيلِ الْمَلَائِكَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَعَلَى هَذَا فَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ بِفِعْلِ صَبِيٍّ يَعْقِلُ أَيْضًا كَمَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِينَ رَدُّ السَّلَامِ بِفِعْلِهِ إذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ وَفِيهِمْ صَبِيٌّ فَرَدَّ السَّلَامَ وَكَمَا تَصِحُّ ذَبِيحَتُهُ مَعَ أَنَّ شَرْطَ حِلِّهَا التَّسْمِيَةُ فَهُوَ أَهْلٌ لِفِعْلِ الْوَاجِبِ فِي الْجُمْلَةِ، وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْوُجُوبُ بِحَمْلِهِ الْمَيِّتَ وَدَفْنِهِ وَقَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فِي أَحْكَامِ الصِّبْيَانِ، وَأَمَّا فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَهَلْ يَسْقُطُ بِفِعْلِهِ فَقَالُوا يَسْقُطُ كَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَشْبَاهِ، وَفِي بَعْضِهَا فَقَالُوا لَا وَيُؤَيِّدُ النُّسْخَةَ الْأُولَى مَا قَدَّمْنَاهُ