وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّ الْمَمْلُوكَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْعِيدُ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ، وَهُوَ الظُّهْرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْعِيدُ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ، وَفِي الْقُنْيَةِ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الرَّسَاتِيقِ تُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ اهـ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمِصْرَ شَرْطُ الصِّحَّةِ.
(قَوْلُهُ وَنُدِبَ يَوْمَ الْفِطْرِ أَنْ يَطْعَمَ وَيَغْتَسِلَ وَيَسْتَاكَ وَيَتَطَيَّبَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ ذَلِكَ الْمَطْعُومِ حُلْوًا لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ «كَانَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا» وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا مِنْ جَمْعِ التَّمْرِ مَعَ اللَّبَنِ وَالْفِطْرِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْأَحْسَنِ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ، وَالدَّلِيلُ دَالٌّ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ» ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهِمَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهَا أَحْمَرُ بَحْتٌ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْبُرْدَةِ أَحَدَهُمَا اهـ.
بِدَلِيلِ نَهْيِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْحَاظِرُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ لَوْ تَعَارَضَا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَتَعَارَضَا بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ وَزَادَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنَّ مِنْ الْمُسْتَحَبَّاتِ التَّزَيُّنَ وَأَنْ يُظْهِرَ فَرَحًا وَبَشَاشَةً وَيُكْثِرَ مِنْ الصَّدَقَةِ حَسَبَ طَاقَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَزَادَ فِي الْقُنْيَةِ اسْتِحْبَابَ التَّخَتُّمِ وَالتَّبْكِيرِ، وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالِابْتِكَارِ، وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاةُ الْغَدَاةِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى مَاشِيًا وَالرُّجُوعُ فِي طَرِيقٍ آخَرَ وَالتَّهْنِئَةُ بِقَوْلِهِ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ لَا تُنْكَرُ، وَفِي الْمُجْتَبَى، فَإِنْ قُلْتَ عَدُّ الْغُسْلِ هَاهُنَا مُسْتَحَبًّا، وَفِي الطَّهَارَةِ سُنَّةٌ قُلْتُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَسَمَّاهُ مُسْتَحَبًّا لِاشْتِمَالِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَعَدَّ سَائِرَ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ سُنَّةً اهـ.
(قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي صَدَقَةَ الْفِطْرِ) مَعْطُوفٌ عَلَى يَطْعَمَ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْأَدَاءُ مَنْدُوبًا، وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى فَلِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَحْوَالٌ: أَحَدُهَا قَبْلَ دُخُولِ يَوْمِ الْعِيدِ، وَهُوَ جَائِزٌ ثَانِيهَا يَوْمُهُ قَبْلَ الْخُرُوجِ، وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ ثَالِثُهَا يَوْمَهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ، وَهُوَ جَائِزٌ رَابِعُهَا بَعْدَ يَوْمِ الْفِطْرِ، وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَّا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِالْأَدَاءِ كَمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ بَعْدَ الْقُدْرَةِ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ ثُمَّ يَزُولُ بِالْأَدَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ الْأَدَاءُ قَبْلَهُ لِلْحَدِيثِ «مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ» وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ» ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى فَيُقَدِّمُ لِلْفَقِيرِ لِيَأْكُلَ قَبْلَهَا فَيَتَفَرَّغَ قَلْبُهُ لِلصَّلَاةِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى الْمُصَلَّى) ضَبَطَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِالرَّفْعِ وَقَالَ لَا بِالنَّصْبِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ التَّوَجُّهَ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ؛ وَلِهَذَا أَتَى بِأُسْلُوبٍ آخَرَ، وَهُوَ الْعَطْفُ بِثُمَّ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ مَاشِيًا، وَلَا يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ، وَلَا جِنَازَةٍ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ، وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ سُنَّةٌ لِصَلَاةِ الْعِيدِ، وَإِنْ كَانَ يَسَعُهُمْ الْمَسْجِدُ الْجَامِعُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ.
وَفِي الْمُغْرِبِ الْجَبَّانَةُ الْمُصَلَّى الْعَامُّ فِي الصَّحْرَاءِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَطْفًا عَلَى يَطْعَمُ؛ لِأَنَّ التَّوَجُّهَ إلَى الْمُصَلَّى مَنْدُوبٌ كَمَا أَفَادَهُ فِي التَّجْنِيسِ، وَإِنْ كَانَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ وَاجِبَةً حَتَّى لَوْ صَلَّى الْعِيدَ فِي الْجَامِعِ، وَلَمْ يَتَوَجَّهْ إلَى الْمُصَلَّى فَقَدْ تَرَكَ السُّنَّةَ، وَإِنَّمَا أَتَى بِثُمَّ لِإِفَادَةِ أَنَّ التَّوَجُّهَ مُتَرَاخٍ عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْمَ الْعِيدِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي بِنَاءِ الْمِنْبَرِ فِي الْجَبَّانَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يُكْرَهُ وَفِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي السِّرَاجِ) أَيْ بِمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ جَمِيعَ شَرَائِطِ الْجُمُعَةِ وُجُوبًا وَصِحَّةً شَرَائِطُ لِلْعِيدِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْحُرِّيَّةُ فَلَا تَجِبُ الْعِيدُ أَيْضًا، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ كَالْجُمُعَةِ لَكِنْ قَدْ نُقِلَ فِي الْجُمُعَةِ عَنْ السِّرَاجِ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَخَيَّرُ.