إذَا وَجَدَ الْعَارِي ثَوْبًا فَفِي التَّحْقِيقِ لَا زِيَادَةَ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَاصِلُهَا يَرْجِعُ إلَى ظُهُورِ الْحَدَثِ السَّابِقِ وَقُوَّةِ حَالِهِ بَعْدَ ضَعْفِهَا وَطُرُوِّ الْوَقْتِ النَّاقِصِ عَلَى الْكَامِلِ، وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ إذَا بَطَلَتْ لَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ وَهُوَ مَا إذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَوْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي بُطْلَانِهَا بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْقُعُودِ وَمَا بَعْدَهُ وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِهَا فِي الْأَوَّلِ
وَأَمَّا فِي حُدُوثِهَا بَعْدَهُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْبُطْلَانِ، وَقَالَا بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مُفْسِدٌ لَهَا فَصَارَ كَالْحَدَثِ وَالْكَلَامِ، وَقَدْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّمَامِ فَلَا فَسَادَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَذَهَبَ الْبَرْدَعِيُّ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِالْبُطْلَانِ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِصُنْعِ الْمُصَلِّي فَرْضٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ إلَّا بِتَرْكِ فَرْضٍ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ سِوَى الْخُرُوجِ بِصُنْعِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَامَّةُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَذَهَبَ الْكَرْخِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ مِنْهَا لَيْسَ بِفَرْضٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِابْنِ مَسْعُودٍ «إذَا قُلْتُ: هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك، فَإِنْ شِئْت أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ» وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ الْبَرْدَعِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فَرْضًا كَمَا زَعَمَهُ لَاخْتَصَّ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ وَهُوَ السَّلَامُ، وَإِنَّمَا حَكَمَ الْإِمَامُ بِالْبُطْلَانِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَعَانِي مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ فَاسْتَوَى فِي حُدُوثِهَا أَوَّلُ الصَّلَاةِ وَآخِرُهَا أَصْلُهُ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَقْطَعُ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مُسْتَمِرَّةٌ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ إلَّا فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَّا أَنَّهُ يَقِيسُهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَسَائِلِ بِعِلَّةِ أَنَّهُ مَعْنًى مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ حَصَلَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ اهـ.
وَلَا حَاجَةَ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ بَعْدَ الْفَجْرِ مُغَيِّرٌ لِلْفَرْضِ مِنْ الْفَرْضِ إلَى النَّفْلِ كَرُؤْيَةِ الْمَاءِ فَإِنَّهَا مُغَيِّرَةٌ لِلْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فَرْضُهُ التَّيَمُّمَ فَتَغَيَّرَ فَرْضُهُ إلَى الْوُضُوءِ بِسَبَبٍ سَابِقٍ عَلَى الصَّلَاةِ، وَكَذَا سَائِرُ أَخَوَاتِهَا بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَاطِعٌ لَا مُغَيِّرٌ وَالْحَدَثُ الْعَمْدُ وَالْقَهْقَهَةُ مُبْطِلَةٌ لَا مُغَيِّرَةٌ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَذَكَرَ فِي الْمِعْرَاجِ مَعْزِيًّا إلَى شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ، وَقَالَ صَاحِبُ التَّأْسِيسِ مَا قَالَهُ أَبُو الْحَسَنِ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَجَّحَ الْمُحَقِّقُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَهُمَا بِأَنَّ اقْتِضَاءَ الْحُكْمِ الِاخْتِيَارُ لِيَنْتَفِيَ الْجَبْرُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقَاصِدِ لَا فِي الْوَسَائِلِ، وَلِهَذَا لَوْ حُمِلَ مُغْمًى عَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَفِي التَّحْقِيقِ لَا زِيَادَةَ) نَازَعَهُ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ وَبَحَثَ فِيمَا أَوَّلَ بِهِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَسَائِلُ الْبَهِيَّةُ الزَّكِيَّةُ عَلَى الْمَسَائِلِ الِاثْنَيْ عَشَرِيَّةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ نَجِسَةٌ يَلْزَمُهُ السَّتْرُ بِهِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهِ وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ السَّلَامِ كَانَ الْبُطْلَانُ لِعَدَمِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ حِينَئِذٍ لَا لِتَرْكِ السِّتْرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَتِرًا بِهِ غَيْرَ أَنَّهُ سَقَطَ اعْتِبَارُ مَا بِهِ مِنْ النَّجَسِ ثُمَّ لَزِمَ إزَالَتُهُ، وَكَذَا سَتْرُ الرَّأْسِ فِي الْأَمَةِ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ عَلَيْهَا مَعَ وُجُودِ السَّاتِرِ فَلَمَّا أُعْتِقَتْ وَهُوَ مَعَهَا لَزِمَهَا لِزَوَالِ الرِّقِّ لَا لِوُجُودِ مَا كَانَ مُنْعَدِمًا، قَالَ ثُمَّ أَقُولُ: إنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ دُخُولُ وَقْتِ الْعَصْرِ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي الْفَجْرِ، وَقَدْ ذُكِرَ مَعْدُودًا وَكَانَ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنْ يَتْرُكَ ذِكْرَهُ مِنْ أَصْلِ الْعَدِّ فَتَرْجِعُ الْمَسَائِلُ إلَى إحْدَى عَشَرَةَ وَهُوَ خِلَافُ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ. اهـ.
وَقَدْ تَضَمَّنَ قَوْلُهُ ثُمَّ أَقُولُ: الْجَوَابَ عَمَّا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْجَوَابِ عَمَّا قَالَهُ فِي الثَّالِثَةِ لَكِنَّهُ تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ أَيْضًا وَيُقَالُ عَلَيْهِ أَيْضًا إنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ ظُهُورَ الْحَدَثِ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوا رُؤْيَةَ الْمُتَيَمِّمِ الْمَاءَ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُمْ ذَلِكَ وَمَا يُشْبِهُهُ لَاسْتَغْنَوْا بِذَلِكَ عَنْ مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخُفِّ وَمَسْأَلَةِ سُقُوطِ الْجَبِيرَةِ فَذِكْرُ أَحَدِهَا يُغْنِي عَنْ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الْحَدَثِ السَّابِقِ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى أَنَّ الْمُؤَلِّفَ نَفْسَهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْعِيدِ أَنَّ حُكْمَهُ كَالْجُمُعَةِ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ وَقْتِهِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ وَذَكَرَ أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى الْمَسَائِلِ مَعَ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى مَسْأَلَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَسْأَلَةِ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَعَنْ هَذَا وَنَحْوِهِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فِيمَا ذَكَرُوهُ زَادَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا قَرِيبًا مِنْ مِائَةِ مَسْأَلَةٍ لِوُجُودِ الْأَصْلِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ فِيهَا وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ فِعْلَ الْمُصَلِّي الَّذِي يُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِوُجُودِهِ فِيهَا قَبْلَ الْجُلُوسِ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ لَا يُفْسِدُهَا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا مِثْلَ الْكَلَامِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالْقَهْقَهَةِ
وَأَمَّا مَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْمُصَلِّي بَلْ هُوَ عَارِضٌ سَمَاوِيٌّ وَإِذَا اعْتَرَضَ يَكُونُ مُفْسِدًا بِوُجُودِهِ فِي أَثْنَائِهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِهَا بِهِ إذَا وُجِدَ بَعْدَ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ فَعِنْدَهُ تَبْطُلُ وَعِنْدَهُمْ لَا، ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى افْتِرَاضِ الْخُرُوجِ بِالصُّنْعِ وَعَدَمِهِ وَأَيَّدَ كَلَامَ الْبَرْدَعِيِّ الْآتِي بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِي صِحَّةِ الْعِبَادَاتِ أَصْلٌ أَصِيلٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَالْأَخْذُ بِقَوْلِهِ أَوْلَى لِتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمُكَلَّفِ بِيَقِينٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي زَادَهَا وَأَطَالَ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إنْ أَرَدْت إلَيْهَا.
(قَوْلُهُ بِأَنَّ اقْتِضَاء الْحُكْمِ الِاخْتِيَارُ إلَخْ) ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْفَتْحِ مَنْعًا لِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ لِلْإِمَامِ بِقَوْلِهِ وَلَهُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ صَلَاةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْخُرُوجِ عَنْ هَذِهِ وَمَا لَا يُتَوَسَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا اهـ قَالَ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ