لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ لِحُصُولِ الْعِوَضِ وَإِنْ لَمْ يُضَمِّنْهُمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الشَّهَادَاتِ وَلَوْ وَهَبَهُ جَارِيَتَيْنِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فَعَوَّضَهُ الْوَلَدُ امْتَنَعَ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْوَلَدِ فَصَلَحَ عِوَضًا.
(قَوْلُهُ وَصَحَّ مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ جَازَ الْعِوَضُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَسَقَطَ حَقُّ الْوَاهِبِ فِي الرُّجُوعِ إذَا قَبَضَهُ لِأَنَّ الْعِوَضَ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ فَيَصِحُّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ كَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَنْ إنْكَارٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُعَوِّضِ عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَوْ كَانَ شَرِيكَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ التَّعْوِيضَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَتَبَرَّعَ لِإِنْسَانٍ إلَّا إذَا قَالَ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ إذَا أَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ حَيْثُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَنْفِقْ مِنْ مَالِك عَلَى عِيَالِي أَوْ أَنْفِقْ فِي بِنَاءِ دَارِي أَوْ أَمَرَ الْأَسِيرُ رَجُلًا لِيَشْتَرِيَهُ وَيُخَلِّصَهُ أَوْ لِيَدْفَعَ الْفِدَاءَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الرُّجُوعَ ذَكَرَهُ قَاضِي خان مِنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ وَتَمَامُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ هُنَا أَصْلًا حَسَنًا لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ كُلَّ مَا يُطَالَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَدَائِهِ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الضَّمَانِ وَكُلَّ مَا لَا يُطَالَبُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالْحَبْسِ وَالْمُلَازَمَةِ لَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِأَدَائِهِ سَبَبًا لِلرُّجُوعِ إلَّا بِشَرْطِ الضَّمَانِ اهـ.
لَكِنْ رُبَّمَا يَخْرُجُ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْأَمْرِ بِشِرَاءِ الْأَسِيرِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْهِبَةِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْعِوَضِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ مَا يُقَابِلُ نِصْفَهُ (قَوْلُهُ وَعَكْسُهُ لَا حَتَّى يَرُدَّ مَا بَقِيَ) أَيْ إذَا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْعِوَضِ لَمْ يَرْجِعْ فِي الْهِبَةِ إلَّا أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ ثُمَّ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ صَلَحَ عِوَضًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ وَبِالِاسْتِحْقَاقِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَا عِوَضَ إلَّا هُوَ إلَّا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ لِأَنَّهُ مَا أَسْقَطَ حَقَّهُ فِي الرُّجُوعِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ كُلَّ الْعِوَضِ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَمُرَادُهُ الْعِوَضُ الَّذِي لَيْسَ بِمَشْرُوطٍ فَأَمَّا الْمَشْرُوطُ فَهُوَ مُبَادَلَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَتَوَزَّعَ الْبَدَلُ عَلَى الْمُبْدَلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْعِوَضِ فَلِلْوَاهِبِ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ كَأَنَّهُ لَمْ يُعَوِّضْهُ أَصْلًا إنْ كَانَتْ قَائِمَةً وَلَا يُضَمِّنَهُ إنْ كَانَتْ هَالِكَةً وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا تُزَادَ الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ فَلَوْ اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ وَقَدْ ازْدَادَتْ الْهِبَةُ لَمْ يَرْجِعْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ اسْتَحَقَّ جَمِيعَ الْهِبَةِ كَانَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي جَمِيعِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَبِمِثْلِهِ إنْ هَلَكَتْ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ وَلَوْ عَوَّضَ النِّصْفَ رَجَعَ بِمَا لَمْ يُعَوِّضْ) لِأَنَّ الْمَانِعَ قَدْ خَصَّ النِّصْفَ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ الشُّيُوعُ فِي الْهِبَةِ لَكِنَّهُ طَارِئٌ فَلَا يَضُرُّهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
(قَوْلُهُ وَالْخَاءُ خُرُوجُ الْهِبَةِ عَنْ مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ) أَيْ حَرْفُ الْخَاءِ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْوَاهِبِ فَلَا يَنْقُضُهُ وَلِأَنَّهُ تَجَدَّدَ الْمِلْكُ بِتَجَدُّدِ سَبَبِهِ وَهُوَ كَتَجَدُّدِ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَأَطْلَقَ فِي الْخُرُوجِ فَشَمِلَ مَا إذَا وَهَبَ لِإِنْسَانٍ دَرَاهِمَ ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا لِاسْتِهْلَاكِهَا كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَشَمِلَ أَيْضًا مَا إذَا وَهَبَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ إلَّا إذَا رَجَعَ الثَّانِي فَلِلْوَاهِبِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ الرُّجُوعُ سَوَاءٌ كَانَ بِقَبْضٍ أَوْ تَرَاضٍ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَشَمِلَ أَيْضًا مَا لَوْ وَهَبَ لِمُكَاتَبِ إنْسَانٍ ثُمَّ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ لَمْ يَرْجِعْ الْمَالِكُ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِانْتِقَالِهَا مِنْ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ إلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ الثَّالِثُ عَلَى الثَّانِي أَوْ بَاعَهَا مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لِلْأَوَّلِ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ هَذَا مِلْكٌ جَدِيدٌ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ وَحَقُّ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فِي هَذَا الْمِلْكِ فَلَا يَرْجِعُ اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا عَادَتْ إلَى مِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ بِفَسْخٍ كَانَ لِلْأَوَّلِ الرُّجُوعُ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ فَلَا وَأَطْلَقَ فِي الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ فَانْصَرَفَ إلَى الْخُرُوجِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ ضَحَّى الْمَوْهُوبُ لَهُ بِالشَّاةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَا وَصَارَتْ لَحْمًا فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِعَدَمِ الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِامْتِنَاعِهِ لِأَنَّهَا خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ ذَبَحَهَا مِنْ غَيْرِ أُضْحِيَّةٍ يَبْقَى حَقُّ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .