كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِ الْعَيْبِ خَطَأٌ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارُ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا اهـ.
وَفِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ (قَوْلُهُ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ) وَهَذَا تَعْرِيفُهَا شَرْعًا وَأَشَارَ بِهِ إلَى الرَّدِّ عَلَى الْكَرْخِيِّ الْقَائِلِ بِأَنَّهَا إبَاحَةٌ وَلَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ وَيَشْهَدُ لِمَا فِي الْمَتْنِ الْأَحْكَامُ مِنْ انْعِقَادِهَا بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَجَوَازِ أَنْ يُعِيرَ مَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمِلِ وَلَوْ كَانَ إبَاحَةً لَمَا جَازَ لِأَنَّ الْمُبَاحَ لَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبِيحَ لِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا لَا يُفْسِدُ هَذَا التَّمْلِيكَ الْجَهَالَةُ لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِعَدَمِ لُزُومِهَا كَذَا قَالَ الشَّارِحُونَ وَالْمُرَادُ بِالْجَهَالَةِ جَهَالَةُ الْمَنَافِعِ الْمُمَلَّكَةِ لَا جَهَالَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَعَارَةِ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ آخَرَ حِمَارًا فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِي حِمَارَانِ فِي الْإِصْطَبْلِ فَخُذْ أَحَدَهُمَا وَاذْهَبْ فَأَخَذَ أَحَدَهُمَا وَذَهَبَ بِهِ يَضْمَنُ إذَا هَلَكَ وَلَوْ قَالَ لَهُ خُذْ أَحَدَهُمَا أَيَّهُمَا شِئْت لَا يَضْمَنُ اهـ.
وَانْعِقَادُهَا بِلَفْظِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهُ اُسْتُعِيرَ لِلتَّمْلِيكِ وَقَدْ قَالُوا عَلَفُ الدَّابَّةِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُطْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مُوَقَّتَةً وَكَذَا نَفَقَةُ الْعَبْدِ أَمَّا كِسْوَتُهُ فَعَلَى الْمُعِيرِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَحُكْمُهَا كَوْنُهَا أَمَانَةً وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَلَوْ فِعْلًا فَلَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْ عَبْدِي وَاسْتَعْمِلْهُ وَاسْتَخْدِمْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِيرَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ لَا يَكُونُ عَارِيَّةً حَتَّى تَكُونَ نَفَقَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَسَكَتَ لَا يَكُونُ إعَارَةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمُسْتَعَارِ قَابِلًا لِلِانْتِفَاعِ وَخُلُوُّهَا عَنْ شَرْطِ الْعِوَضِ فِي الْإِعَارَةِ حَتَّى لَوْ شَرَطَ الْعِوَضَ فِي الْإِعَارَةِ تَصِيرُ إجَارَةً كَذَا فِي الْمُحِيطِ (قَوْلُهُ وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ وَأَطْعَمْتُك أَرْضَى) لِأَنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ حَقِيقَةً وَالثَّانِي صَرِيحٌ مَجَازًا لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُؤْكَلُ عَيْنُهُ يُرَادُ بِهِ مَا يُسْتَغَلُّ مِنْهُ مَجَازًا لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ (قَوْلُهُ وَمَنَحْتُك ثَوْبِي وَحَمَلْتُك عَلَى دَابَّتِي) وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فَيُفِيدُ الْعَارِيَّةَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ لَكِنْ إذَا نَوَى بِهِ الْهِبَةَ كَانَ هِبَةً وَمَنَحْتُك بِمَعْنَى أَعْطَيْتُك.
(قَوْلُهُ وَأَخْدَمْتُك عَبْدِي) لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ (قَوْلُهُ وَدَارِي لَك سُكْنَى) أَيْ مِنْ جِهَةِ السُّكْنَى لِأَنَّ دَارِي مُبْتَدَأٌ وَلَك خَبَرُهُ وَسُكْنَى تَمْيِيزٌ عَنْ النِّسْبَةِ إلَى الْمُخَاطَبِ (قَوْلُهُ وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى) يُقَالُ عُمَرَهُ الدَّارَ أَيْ قَالَ لَهُ هِيَ لَك مُدَّةَ عُمُرِك وَالْعُمْرَى اسْمٌ مِنْهُ فَيَصِيرُ مَعْنَاهُ جَعَلْت سُكْنَاهَا لَك مُدَّةَ عُمُرِك وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا بِغَيْرِ عِوَضٍ كَانَتْ إعَارَةً وَلَوْ لَمْ يَقُلْ شَهْرًا لَا تَكُونُ إعَارَةً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خان
(قَوْلُهُ وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ) لِعَدَمِ لُزُومِهَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ فِي رُجُوعِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ بِالْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّ الْإِعَارَةَ تَبْطُلُ وَتَبْقَى الْعَيْنُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلِهَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ اسْتَعَارَ مِنْ رَجُلٍ أَمَةً لِتُرْضِعَ ابْنًا لَهُ فَأَرْضَعَتْهُ فَلَمَّا صَارَ الصَّبِيُّ لَا يَأْخُذُ إلَّا مِنْهَا قَالَ الْمُعِيرُ أَرْدُدْ عَلَيَّ خَادِمِي قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ خَادِمِهِ إلَى أَنْ تَفْطِمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْ عَبْدِي إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِيجَابِ وَأَنَّ قَوْلَهُ خُذْ عَبْدِي هَذَا لَيْسَ بِإِيجَابٍ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ ثَوْبِي هَذَا وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مُفَرَّعًا عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لِأَنَّ أَخْذَ الْعَبْدِ قَبُولٌ فِعْلًا فَيَكُونُ وَدِيعَةً تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فَيُفِيدُ الْعَارِيَّةَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى نِيَّةٍ إلَخْ) فِي الْكَافِي لِلْعَلَّامَةِ النَّسَفِيِّ وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنَحْتُك هَذَا الثَّوْبَ وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ لِأَنَّهُمَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَعِنْدَ إرَادَتِهِ الْهِبَةَ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ تَجَوُّزًا مُشْكِلٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِمَا بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إلَى الْمَذْكُورِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} [البقرة: 68] وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ جَعَلَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَمَجَازًا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي بَيَانِ أَلْفَاظِهَا وَحَمَلْتُك عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحَمْلِ الْهِبَةَ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الِارْتِكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَثَالِثُهَا أَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَالْحَقِيقَةُ تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ لَا يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ عَلَى الْهِبَةِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى شَرْحُ النَّافِعِ قُلْنَا جَازَ أَنْ يَكُونَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَلِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ مَجَازًا وَإِلَى هَذَا مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ وَأَرَادَ بِهِ الْعَارِيَّةَ أَيْ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُرِدْ الْحَقِيقَةَ لَا يُصَارُ إلَى الْمَجَازِ إلَّا عِنْدَ إرَادَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا بِالْعَكْسِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَارِيَّةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ التَّقْيِيدَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَيَانِ حَقِيقَةً لَهُمَا إنَّمَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ أَدْنَى الْأَمْرَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِلتَّيَقُّنِ اهـ.
كَذَا فِي الْكِفَايَةِ مُوَضَّحًا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك هَذِهِ الدَّارَ شَهْرًا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِجَارَةِ فِي الثَّانِي فِي صِفَتِهَا قَالَ لَا تَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِالْإِجَارَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجَرْتُك مَنَافِعَهَا سَنَةً بِلَا عِوَضٍ تَكُونُ إجَارَةً فَاسِدَةً لَا عَارِيَّةً اهـ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ هَذَا وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ الْإِجَارَةِ