بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ إنْ كَانَ مَضْرُوبًا كَبُخَارِيِّ الضَّرْبِ وَصِفَتِهِ جَيِّدٌ أَوْ وَسَطٌ أَوْ رَدِيءٌ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ، وَفِي الْعِمَادِيِّ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ، وَأَحَدُهَا أَرَوْجُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَا لَمْ يُبَيِّنْ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا لِيُشِيرَ إلَيْهَا بِالدَّعْوَى وَكَذَا فِي الشَّهَادَاتِ وَالِاسْتِحْلَافِ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهِ حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا، وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزُوًّا فِي مَسْأَلَةِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدُوا عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ خِلَافًا لَهُمَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَوْ شُرِطَ لَأُحْضِرَتْ، وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ فِي لَوْنِهَا ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ.
قُلْتُ: لَا تَدُلُّ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهَا وَالْقِيمَةُ كَافِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فَلْيُتَأَمَّلْ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي دَعْوَى إحْضَارِ الْمُدَّعِي مَجْلِسَ الْحُكْمِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ لِأُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ جَاحِدًا، وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ كَانَ مُقِرًّا لَا يَلْزَمُ الْإِحْضَارُ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْمُقِرِّ وَالْأَمْرُ بِالْإِحْضَارِ إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ مُنْكِرًا أَمَّا لَوْ كَانَ مُودَعًا عِنْدَهُ لَا يَصِحُّ الْأَمْرُ بِإِحْضَارِهِ إذْ الْوَاجِبُ فِيهِ التَّخْلِيَةُ لَا نَقْلُهَا فَلَوْ أَنْكَرَ ذُو الْيَدِ الْإِحْضَارَ يَكُونُ مُحِقًّا، ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِهِ، وَأَرَادَ إحْضَارَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ فَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ يُقْبَلُ وَيُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إحْضَارِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إذَا ثَبَتَ فِي يَدِهِ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي، وَلَمْ يَثْبُتْ خُرُوجُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَبْقَى، وَلَا تَزُولُ بِشَكٍّ. اهـ.
أَطْلَقَ فِي لُزُومِ إحْضَارِهَا، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا لَا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ أَمَّا مَا لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إحْضَارِهِ وَتَفْسِيرُ الْحَمْلِ وَالْمُؤْنَةِ كَوْنُهُ بِحَالٍ يُحْمَلُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي بِأَجْرٍ لَا مَجَّانًا فَهَذَا مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَذَكَرَ بَعْدَهُ بِوَرَقَتَيْنِ أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ، وَقِيلَ مَا يَحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى مُؤْنَةٍ كَبُرٍّ وَشَعِيرٍ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا مَا لَا يَحْتَاجُ فِي نَقْلِهِ إلَى الْمُؤْنَةِ كَمِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ قَلِيلٍ، وَقِيلَ مَا اخْتَلَفَ سِعْرُهُ فِي الْبَلَدَانِ فَهُوَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ لَا مَا اتَّفَقَ. اهـ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ مَسَائِلَ فِيمَا إذَا وَصَفَ الْمُدَّعِي الْمُدَّعَى فَلَمَّا حَضَرَ خَالَفَ فِي الْبَعْضِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ الدَّعْوَى الْأُولَى وَادَّعَى الْحَاضِرُ تُسْمَعُ؛ لِأَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ، وَإِلَّا فَلَا وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عُلِمَ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ تَسَاهُلًا إذْ فِي دَعْوَى عَيْنٍ وَدِيعَةٍ لَا يُكَلَّفُ إحْضَارَهَا إنَّمَا يُكَلَّفُ التَّخْلِيَةَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَكَرَ قِيمَتِهَا) أَيْ بِهَلَاكِهَا أَوْ غَيْبَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى بِهِ مَعْلُومًا؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَالْقِيمَةُ تُعْرَفُ بِهِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَةُ الْعَيْنِ، وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا التَّعَذُّرَ بِالْهَلَاكِ أَوْ الْغَيْبَةِ لِئَلَّا يَرِدَ الرَّحَى وَصُبْرَةُ الطَّعَامِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَبْعَثُ أَمِينَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يَكْتَفِي بِذِكْرِ الْقِيمَةِ، وَفِي الدَّابَّةِ يُخَبَّرُ الْقَاضِي إنْ شَاءَ خَرَجَ إلَيْهَا، وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ إلَيْهَا مَنْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَصَرْفَهُ إلَى حَوَائِجِهِ لِيَكُونَ دَيْنًا بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ كَوْنَهُ دَيْنًا عِنْدَ الثَّانِي مَوْقُوفٌ عَلَى صَرْفِهِ وَاسْتِهْلَاكِهِ وَتَمَامُهُ فِيهَا.
(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كُلِّفَ إحْضَارَهَا) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ثُمَّ إذَا حَضَرَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ لَهُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّمْلِيكِ وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدُوا أَنَّ هَذَا مَالِكٌ لَهُ أَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لِلْمُدَّعِي وَذَلِكَ لَا إشْكَالَ فِيهِ إنَّمَا الْإِشْكَالُ فِيمَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّيْءِ وَلَمْ يَدَّعِ بِأَنَّهُ مِلْكِي، وَأَقَامَ الشُّهُودَ عَلَى ذَلِكَ هَلْ يُقْبَلُ، وَهَلْ يُقْضَى بِالْمِلْكِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ نَعَمْ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّ هَذَا أَقَرَّ بِهَذَا الشَّيْءِ لَهُ تُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَكَذَلِكَ الْمُدَّعِي، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى مَا لَمْ يَقُلْ أُقِرُّ بِهِ، وَهُوَ مِلْكِي؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَإِنْ كَانَ كَذِبًا لَا يُوجِبُ وَالْمُدَّعِي يَقُولُ أَقَرَّ بِهِ لِي يَصِيرُ مُدَّعِيًا بِالْمِلْكِ وَالْإِقْرَارُ غَيْرُ مُوجِبٍ لَهُ فَلَمْ تُوجَدْ دَعْوَى الْمِلْكِ فَلِهَذَا شُرِطَ قَوْلُهُ وَهُوَ مِلْكِي بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَا كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. اهـ. مُلَخَّصًا.
(قَوْلُهُ: إذَا كَانَتْ غَائِبَةً) الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ هَالِكَةً (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ إذَا ثَبَتَ فِي يَدِهِ إلَخْ) قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ يَقُولُ الْحَقِيرُ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ يَنْبَغِي لَا يَنْبَغِي؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُسَمَّى فِي عِلْمِ الْأُصُولِ اسْتِصْحَابًا، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الدَّفْعِ لَا فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ قَبِيلِ الْإِثْبَاتِ قَالَ صَاحِبُ التَّوْضِيحِ، وَمِنْ الْحُجَجِ الْفَاسِدَةِ الِاسْتِصْحَابُ، وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ وُجُودُهُ بِدَلِيلٍ ثُمَّ وَقَعَ الشَّكُّ فِي بَقَائِهِ، وَعِنْدَنَا حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِثْبَاتِ إذْ الدَّلِيلُ الْمُوجِبُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
(قَوْلُهُ: وَفِي الدَّابَّةِ يُخَيَّرُ الْقَاضِي إلَخْ) ، وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ فَإِنْ كَانَ دَابَّةٌ وَلَا يَقَعُ بَصَرُ الْقَاضِي وَلَا يَتَأَتَّى الْإِشَارَةَ مِنْ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي، وَهِيَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَأْمُرُ بِإِدْخَالِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَلَا تَرَى «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - طَافَ بِالْبَيْتِ عَلَى نَاقَتِهِ» مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَوْقَ حُرْمَةِ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَإِنْ كَانَ يَقَعُ بَصَرُ الْقَاضِي عَلَيْهَا فَلَا يُدْخِلُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَا يَكُونُ مِنْهَا وَالْحَاجَةُ مُنْعَدِمَةٌ. اهـ