لِكَوْنِهِ طَالِبًا لِأَدَائِهِ حُكْمًا وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِحُقُوقِ الْعِبَادِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ أَجَابَ الْمَشَايِخُ فِي شُهُودٍ شَهِدُوا بِالْحُرْمَةِ الْمُغَلَّظَةِ بَعْدَمَا أَخَّرُوا شَهَادَتَهُمْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ إنْ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّهُمَا يَعِيشَانِ عَيْشَ الْأَزْوَاجِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْعَلَاءِ الْحَمَّامِيِّ وَالْخَطِيبِ الْأَنْمَاطِيِّ وَكَمَالِ الْأَئِمَّةِ الْبَيَّاعِيِّ شَهِدُوا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بِإِقْرَارِ الزَّوْجِ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ لَا تُقْبَلُ إذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِعَيْشِهِمْ عَيْشَ الْأَزْوَاجِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَجَابُوا كَذَلِكَ فِي جِنْسِ هَذَا وَإِنْ كَانَ تَأْخِيرُهُمْ بِعُذْرٍ تُقْبَلُ مَاتَ عَنْ امْرَأَةٍ وَوَرَثَةٍ فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِحُرْمَتِهَا حَالَ صِحَّتِهِ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِذَلِكَ حَالَ حَيَاتِهِ لَا تُقْبَلُ إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ وَسَكَتُوا؛ لِأَنَّهُمْ فَسَقُوا إلَى آخِرِ مَا فِيهَا.

الثَّانِي أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهَا لَا يَلْزَمُهُ. الثَّالِثُ أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ بِأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَقُبِلَتْ لَمْ يَأْثَمْ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ تُقْبَلْ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ مِمَّنْ يُقْبَلُ يَأْثَمُ بِامْتِنَاعِهِ وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُ أَسْرَعَ قَبُولًا مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ أَسْرَعَ وَجَبَ الْأَدَاءُ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ. الرَّابِعُ أَنْ لَا يُخْبِرَ عَدْلَانِ بِبُطْلَانِ الْمَشْهُودِ بِهِ فَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الشَّاهِدِ عَدْلَانِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَبَضَ دَيْنَهُ أَوْ أَنَّ الزَّوْجَ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ أَعْتَقَ الْعَبْدَ أَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ عَفَا عَنْ الْقَاتِلِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالدَّيْنِ وَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْقَتْلِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخْبِرُ عُدُولًا فَالْخِيَارُ لِلشُّهُودِ إنْ شَاءُوا شَهِدُوا بِالدَّيْنِ وَأَخْبَرُوا الْقَاضِيَ بِخَبَرِ الْقَضَاءِ وَإِنْ شَاءُوا امْتَنَعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ.

كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ وَاحِدًا عَدْلًا لَا يَسَعُهُ تَرْكُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَا عَايَنَّا إرْضَاعَهُمَا مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَا لَوْ عَايَنَا وَاحِدًا يَتَصَرَّفُ فِي شَيْءٍ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ وَشَهِدَ عَدْلَانِ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لِفُلَانٍ آخَرَ لَا يَشْهَدَانِ أَنَّهُ لِلْمُتَصَرِّفِ بِخِلَافِ إخْبَارِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ أَنَّهُ بَاعَهُ مِنْ ذِي الْيَدِ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا عَلِمَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَيْضًا وَفِيهَا فِي الشَّهَادَةِ بِالتَّسَامُعِ إذَا شَهِدَ عِنْدَك عَدْلَانِ بِخِلَافِ مَا سَمِعْته مِمَّنْ وَقَعَ فِي قَلْبِك صِدْقُهُ لَمْ يَسَعْ لَك الشَّهَادَةُ إلَّا إذَا عَلِمْت يَقِينًا أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَك عَدْلٌ بِخِلَافِ مَا وَقَعَ فِي قَلْبِك مِنْ سَمَاعِ الْخَبَرِ لَك أَنْ تَشْهَدَ بِالْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِك صِدْقُ الْوَاحِدِ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءَانِ فِي كُلِّ شَهَادَةٍ كَمَا لَا يَخْفَى. الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي الَّذِي طَلَبَ الشَّاهِدَ لِلْأَدَاءِ عِنْدَهُ عَدْلًا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَأَجَابَ خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ فِيمَنْ لَهُ شَهَادَةٌ فَرُفِعَتْ إلَى قَاضِي غَيْرِ عَدْلٍ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الْأَدَاءِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ قَاضٍ عَدْلٍ اهـ.

وَجَزَمَ بِهِ فِي السِّرَاجِيَّةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يُقْبَلُ وَيُجْرَحُ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقْبَلُهُ لِشُهْرَتِهِ مَثَلًا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَكَذَا الْمُعَدِّلُ لَوْ سَأَلَ عَنْ الشَّاهِدِ فَأُخْبِرَ بِأَنَّهُ غَيْرُ عَدْلٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعَدِّلَهُ عِنْدَهُ وَهِيَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْخَصَّافِ.

السَّادِسُ أَنْ لَا يَقِفَ الشَّاهِدُ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ خَوْفًا فَإِنْ عَلِمَ بِذَلِكَ لَا يَشْهَدُ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ أَقْرَرْت خَوْفًا وَكَانَ الْمُقَرُّ لَهُ سُلْطَانًا فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ عَوْنٍ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّاهِدُ بِخَوْفِهِ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِ عَوْنٍ مِنْ أَعْوَانِ السُّلْطَانِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ. السَّابِعُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة: 282] ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَجْلِسِ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ لِلرُّكُوبِ فَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ بِهِ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ لِلشُّهُودِ وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْرِمُوا الشُّهُودَ» وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَأَرْكَبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ وَفِي الْقُنْيَةِ الشُّهُودُ فِي الرُّسْتَاقِ وَاحْتِيجَ إلَى أَدَاءِ شَهَادَتِهِمْ هَلْ يَلْزَمُهُمْ كِرَاءُ الدَّابَّةِ قَالَ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَلَكِنِّي سَمِعْت مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ وَضَعَ لِلشُّهُودِ طَعَامًا فَأَكَلُوا إنْ كَانَ مُهَيَّأً مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ تُقْبَلُ وَإِنْ صَنَعَهُ لِأَجْلِهِمْ لَا تُقْبَلُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا تُقْبَلُ فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تُقْبَلُ فِيهِمَا لِلْعَادَةِ الْجَارِيَةِ بِإِطْعَامِ مَنْ حَلَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَتْ أَسْرَعَ وَجَبَ الْأَدَاءُ إلَخْ) فِيهِ تَأَمُّلٌ مَقْدِسِيٌّ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ الْوُجُوبِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَقُومُ بِهِ الْحَقُّ حَمَوِيٌّ كَذَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَلَكِنَّهُ بَحَثَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْوَهْبَانِيَّةِ عَنْ الْخَانِيَّةِ (قَوْلُهُ السَّادِسُ أَنْ لَا يَقِفَ الشَّاهِدُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَكَذَا إذَا خَافَ الشَّاهِدُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ الشَّهَادَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَسِعَهُ الِامْتِنَاعُ اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015