عَنْ نَفْسِهِ مَغْرَمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْفَرْعِ لِأَصْلِهِ وَالْأَصْلِ لِفَرْعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَأَنْ لَا يَكُونَ خَصْمًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْيَتِيمِ وَالْوَكِيلِ لِمُوَكِّلِهِ وَأَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْمَشْهُودِ بِهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ ذَاكِرًا لَهُ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ عَلَى خَطِّهِ مِنْ غَيْرِ تَذَكُّرٍ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا، وَأَمَّا مَا يَخُصُّ بَعْضَهَا فَالْإِسْلَامُ إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمًا وَالذُّكُورَةُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ وَتَقَدُّمُ الدَّعْوَى فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَمُوَافَقَتُهَا لِلدَّعْوَى فِيمَا يُشْتَرَطُ فِيهَا فَإِنْ خَالَفَتْهَا لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا وَافَقَ الْمُدَّعِي عِنْدَ إمْكَانِهِ وَقِيَامُ الرَّائِحَةِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ وَلَمْ يَكُنْ سَكْرَانًا لَا لِبُعْدِ مَسَافَةٍ وَالْأَصَالَةُ فِي الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَتَعَذُّرُ حُضُورِ الْأَصْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَمَا يَرْجِعُ إلَى الشَّهَادَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدُ فِي الشَّهَادَةِ بِمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَاتِّفَاقُ الشَّاهِدَيْنِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ وَمَا يَرْجِعُ إلَى الْمَشْهُودِ بِهِ قَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرَائِطِ الْخَاصَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ: شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْهَا عَشْرُ شَرَائِطَ عَامَّةٌ وَمِنْهَا سَبْعَةُ شَرَائِطَ خَاصَّةٌ وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ وَشَرْطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ وَسَيَأْتِي صِفَةُ الشَّاهِدِ الَّذِي يَنْصِبُهُ الْقَاضِي شَاهِدًا لِلنَّاسِ، وَالرَّابِعُ سَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ. الْخَامِسُ حُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي. السَّادِسُ فِي صِفَتِهَا تَحَمُّلًا وَأَدَاءً وَسَيَأْتِي. السَّابِعُ فِي بَيَانِ أَنَّ الْقِيَاسَ عَدَمُ قَبُولِهَا لِاحْتِمَالِ الْكَذِبِ لَكِنْ لَمَّا شُرِطَتْ الْعَدَالَةُ تَرَجَّحَ جَانِبُ الصِّدْقِ وَوَرَدَتْ النُّصُوصُ بِالِاسْتِشْهَادِ جُعِلَتْ مُوجِبَةً. الثَّامِنُ مَحَاسِنُهَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: 8] وَهُوَ حَسَنٌ. التَّاسِعُ فِي دَلِيلِهَا وَهُوَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ. الْعَاشِرُ فِي أَهْلِهَا وَقَدْ عُلِمَ مِنْ الشَّرَائِطِ.
(قَوْلُهُ وَتَلْزَمُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي) أَيْ وَيَلْزَمُ أَدَاؤُهَا الشَّاهِدَ إذَا طَلَبَهُ الْمُدَّعِي فَيَحْرُمُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ الْكِتْمَانِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِضِدِّهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ ضِدٌّ وَاحِدٌ وَهُوَ آكَدُ مِنْ الْأَمْرِ بِأَدَائِهَا وَلِذَا أَسْنَدَ الْإِثْمَ إلَى رَأْسِ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْآلَةُ الَّتِي وَقَعَ بِهَا أَدَاؤُهَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ إسْنَادَ الْفِعْلِ إلَى مَحَلِّهِ أَقْوَى مِنْ الْإِسْنَادِ إلَى كُلِّهِ فَقَوْلُهُ أَبْصَرْته بِعَيْنِي آكَدُ مِنْ قَوْلِهِ أَبْصَرْته وَفَسَّرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْكِتْمَانَ بِعَقْدِ الْقَلْبِ عَلَى تَرْكِ الْأَدَاءِ بِاللِّسَانِ وَفَسَّرَ الْبَغَوِيّ آثِمٌ بِفَاجِرٍ وَأَنَّ اللَّهَ يَمْسَخُ قَلْبَهُ بِالْكِتْمَانِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَعِيدٌ أَشَدَّ مِنْهُ وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى فَرْضِيَّتِهَا مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ إيرَادَ نَهْيِ الْمَدِينِينَ عَنْ كِتْمَانِهَا كَمَا احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ نَهْيُ الشُّهُودِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ أَيُّهَا الشُّهُودُ أَوْ الْمَدِينُونَ وَالشَّهَادَةُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ اهـ.
فَعَلَى الثَّانِي الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ كِتْمَانِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال عَلَى فَرْضِيَّتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَاحْتَمَلَ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ تَلْزَمُ عَائِدٌ إلَى الشَّهَادَةِ بِمَعْنَى تَحَمُّلِهَا لَا بِمَعْنَى أَدَائِهَا فَإِنَّ تَحَمُّلَهَا عِنْدَ الطَّلَبِ وَالتَّعْيِينِ فَرْضٌ كَمَا سَيَأْتِي.
وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِهَا تَحَمُّلُهَا فَالنَّهْيُ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ الَّتِي مَرْجِعُهَا خِلَافُ الْأَوْلَى مُشْكِلٌ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الرَّازِيّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282] عَامٌّ فِي التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ لَكِنْ فِي التَّحَمُّلِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْحُضُورُ إلَيْهِمَا لِلْإِشْهَادِ وَلَا يَلْزَمُ الشَّاهِدَيْنِ الْحُضُورُ إلَيْهِمَا وَفِي الْأَدَاءِ يَلْزَمُهُمَا الْحُضُورُ إلَى الْقَاضِي لَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَأْتِي إلَيْهِمَا لِيُؤَدِّيَا ثُمَّ قَالَ إنَّ الشَّهَادَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ وَتَتَعَيَّنُ إذَا لَمْ يَكُنْ إلَّا شَاهِدَانِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلتَّحَمُّلِ أَوْ الْأَدَاءِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا يُقَالُ إنَّهَا تَلْزَمُ أَيْ تُفْتَرَضُ كِفَايَةً ثُمَّ صَرَّحَ بِأَنَّ عَلَيْهِمَا الْكِتَابَةَ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمَا إذَا كَانَ الْحَقُّ مُؤَجَّلًا وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهَا بِشُرُوطٍ: الْأَوَّلُ طَلَبُ الْمُدَّعِي فِيمَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِلَا طَلَبٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ إلَخْ) هَذَا الْحَاصِلُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَا مَرَّ بَلْ الْمُوَافِقُ لَهُ أَنْ يُقَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرَائِطَهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ شَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ مِنْهَا شَرَائِطُ الشَّاهِدِ سَبْعَةَ عَشَرَ عَشَرَةٌ عَامَّةٌ وَسَبْعَةٌ خَاصَّةٌ وَمِنْهَا شَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ وَشَرْطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا أَوْ حُكْمًا لِيَدْخُلَ إلَخْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَنَظَرَ فِيهِ الْمَقْدِسِيَّ بِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي هَذَا إعْلَامُ الْمُدَّعِي بِمَا يَشْهَدُ فَإِنْ طَلَبَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِلَّا لَا إذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ