عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيمَا رَأَيْت حُكْمَ إحَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِمَعْلُومِهِ عَلَى الْمُتَوَلِّي، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً إذَا كَانَ مَالُ الْوَقْفِ تَحْتَ يَدِهِ كَالْإِحَالَةِ عَلَى الْمُودِعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَمِينٌ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالُ الْوَقْفِ فَلَا؛ لِأَنَّهَا لِثُبُوتِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةَ بِالْمَالِ الَّذِي لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثُمَّ مَرِضَ الْمُحِيلُ فَقَضَى الْمُحَالُ عَلَيْهِ سَلَّمَ لِلْمُحْتَالِ مَا أَخَذَهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُحَالِ عَلَيْهِ مَا عُلِمَ وَيُقْسَمُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ بِالْحِصَصِ وَيُشَارِكُهُمْ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَتْ الْحَوَالَةُ بِوَدِيعَةٍ فَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَلَا سَبِيلَ لِغُرَمَاء الْمُحِيلِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَلَوْ أَحَالَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ الْمُحْتَالَ عَلَى آخَرَ جَازَ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ وَالْمَالُ عَلَى الْآخَرِ كَالْكَفَالَةِ مِنْ الْكَفِيلِ، وَلَوْ قَالَ ضَمِنْت لَك مَا عَلَى فُلَانٍ عَلَى أَنْ أُحِيلَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ فَرَضِيَ الطَّالِبُ إنْ أَحَالَهُ وَقَبِلَهُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فُلَانٌ الْحَوَالَةَ فَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنْ أُحِيلَك بِهِ عَلَى فُلَانٍ إلَى شَهْرٍ انْصَرَفَ التَّأْجِيلُ إلَى الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ عَقْدِ الْحَوَالَةِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحِيلَهُ عَلَى فُلَانٍ فَلَمْ يَقْبَلْ الْمَكْفُولُ لَهُ الْحَوَالَةَ بَرِئَ الْكَفِيلُ عَنْ الضَّمَانِ وَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ لَمْ يَكُنْ الطَّالِبُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْمَالِ حَتَّى يَمْضِيَ شَهْرٌ، وَالْكُلُّ فِي الْمُحِيطِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَدَّى الْمَالَ فِي الْحَوَالَةِ الْفَاسِدَةِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْقَابِضِ وَهُوَ الْمُحْتَالُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجَرَ، وَأَحَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي إنْ شَاءَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ الْمُحِيلِ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْقَابِضِ وَكَذَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَرَدَ فِيهِ الِاسْتِحْقَاقُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَكُرِهَ السَّفَاتِجُ) جَمْعُ سَفْتَجَةٍ قِيلَ بِضَمِّ السِّينِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا، وَأَمَّا التَّاءُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ، وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ هِيَ كِتَابُ صَاحِبِ الْمَالِ لِوَكِيلِهِ أَنْ يَدْفَعَ مَالًا قَرْضًا يَأْمَنُ بِهِ خَطَرَ الطَّرِيقِ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ السَّفْتَجَةُ كَقُرْطَقَةٍ أَنْ يُعْطِيَ مَالًا لِآخَرَ وَلِلْآخِذِ مَالٌ فِي بَلَدِ الْمُعْطِي فَيُوَفِّيَهُ إيَّاهَا، ثَمَّ فَيَسْتَفِيدُ أَمْنَ الطَّرِيقِ وَفِعْلُهُ السَّفْتَجَةُ بِالْفَتْحِ اهـ.
وَحَاصِلُهُ عِنْدَنَا قَرْضٌ اسْتَفَادَ بِهِ الْمُقْرِضُ أَمْنَ خَطَرِ الطَّرِيقِ لِلنَّهْيِ عَنْ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً، وَقِيلَ إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ مَشْرُوطَةً فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ مَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي، قَالَ وَلَا بَأْسَ بِقَبُولِ هَدِيَّةِ الْغَرِيمِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ بِلَا شَرْطٍ وَكَذَا إذَا قَضَى أَجْوَدَ مِمَّا قَبَضَ يَحِلُّ بِلَا شَرْطٍ، وَكَذَا لَوْ قَضَى أَدْوَنَ، وَلَوْ أَرْجَحَ فِي الْوَزْنِ أَنَّ كَثِيرًا لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قَلَّ جَازَ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِي تَفَاوُتِ الْمَوَازِينِ وَلَا يَجْرِي بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ بَلْ يَرُدُّهُ وَالدِّرْهَمُ فِي مِائَةٍ يَرُدُّهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتَلَفَا فِي نِصْفِهِ قِيلَ كَثِيرٌ وَقِيلَ قَلِيلٌ وَلَوْ أَنَّ الْمُسْتَقْرِضَ وَهَبَ مِنْهُ الزَّائِدَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ مَشَاعٌ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ اهـ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
لَمَّا كَانَ أَكْثَرُ الْمُنَازَعَاتِ فِي الدُّيُونِ وَالْبِيَاعَاتِ وَالْمُنَازَعَاتِ مُحْتَاجَةً إلَى قَطْعِهَا أَعْقَبَهَا بِمَا هُوَ الْقَاطِعُ لَهَا وَهُوَ الْقَضَاءُ وَالْكَلَامُ فِيهِ عَشْرَةُ مَوَاضِعَ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَاهُ لُغَةً وَهُوَ بِالْمَدِّ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ فَفِي الْمِصْبَاحِ أَنَّهُ مَصْدَرُ قَضَيْت بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا حَكَمْت اهـ.
وَفِي الصِّحَاحِ الْقَضَاءُ الْحُكْمُ وَأَصْلُهُ قَضَايَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَضَيْت إلَّا أَنَّ الْيَاءَ لَمَّا جَاءَتْ بَعْدَ الْأَلْفِ قُلِبَتْ هَمْزَةً، وَالْجَمْعُ الْأَقْضِيَةُ وَقَضَى أَيْ حَكَمَ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] ، وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَرَاغِ تَقُولُ قَضَيْت حَاجَتِي وَضَرَبَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ أَيْ قَتَلَهُ كَأَنَّهُ فَرَغَ مِنْهُ، وَسُمَّ قَاضٍ أَيْ قَاتِلٌ وَقَضَى نَحْبَهُ قَضَاءً أَيْ
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً) أَيْ لَوْ الْحَوَالَةُ مُقَيَّدَةً أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِتَصْرِيحِهِمْ بِاخْتِصَاصِهَا بِالدُّيُونِ لِابْتِنَائِهَا عَلَى النَّقْلِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَلَا تَصِحُّ بِالْحُقُوقِ كَذَا فِي النَّهْرِ، وَقَدْ مَرَّ قَالَ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْبَحْرِ صِحَّةُ الْحَوَالَةِ بِحَقِّ الْغَنِيمَةِ الْمُحَرَّزَةِ تَحْتَ يَدِ الْإِمَامِ مِنْ أَحَدِ الْغَانِمِينَ وَعِنْدِي فِيهِ تَرَدُّدٌ فَتَدَبَّرْهُ (قَوْلُهُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ) وَيَكُونُ الْمَدْفُوعُ بَيْنَ غُرَمَاءِ الْمُحِيلِ وَبَيْنَ الْمُحْتَالِ بِالْحِصَصِ فِيهِ نَظِيرٌ فَلْيُرَاجَعْ.
(قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ الْآجِرُ الْمُسْتَأْجَرَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ بِإِذْنِ الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَوْلُهُ وَأَحَالَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) كَذَا رَأَيْته فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْخُلَاصَةِ وَأَحَالَ الْمُسْتَأْجِرَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَاسْتَحَقَّ الْمَبِيعَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ قَدْ أَدَّى الثَّمَنَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ إلَخْ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى حُكْمِهَا مَسْأَلَةٌ مِنْ صُوَرِ فَسَادِ الْحَوَالَةِ فَرَاجِعْهَا.
(قَوْلُهُ وَفَسَّرَهَا بَعْضُهُمْ إلَخْ) هِيَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مَا يُسَمَّى فِي زَمَانِنَا بِالْبُولِصَةِ (قَوْلُهُ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الصَّرْفِ مَا يَقْضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي) قَالَ فِي النَّهْرِ وَبِهِ جَزَمَ فِي الصُّغْرَى وَالْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَالْكِفَايَةِ لِلشَّهِيدِ نَعَمْ قَالُوا إنَّمَا يَحِلُّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ لِذَلِكَ فَلَا.
[كِتَابُ الْقَضَاءِ]