وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَاجِرًا فِي الْبَزِّ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الطَّعَامِ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي التَّمْرِ وَالْبَزِّ وَعَبَّاسٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعِطْرِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا أَفْضَلُ الْكَسْبِ بَعْدَ الْجِهَادِ التِّجَارَةُ، ثُمَّ الْحِرَاثَةُ، ثُمَّ الصِّنَاعَةُ اهـ.
وَأَمَّا دَلِيلُهُ فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْمَعْقُولُ وَهُوَ الْعَاشِرُ مِنْ مَوَاضِعِهِ.
(فَرْعٌ حَسَنٌ) مِنْ خِزَانَةِ الْفَتَاوَى بَيْعُ مَا يُسَاوِي دِرْهَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ يَجُوزُ وَلَا يَلْزَمُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ اهـ.
(قَوْلُهُ الْبَيْعُ يَلْزَمُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ) أَيْ حُكْمُ الْبَيْعِ يَلْزَمُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا غَيْرَهُ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ بِهِمَا مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ إلَّا هُمَا؛ لِأَنَّهُمَا رُكْنَاهُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَلَيْسَ هُوَ إلَّا الْحُكْمَ فَالْمُتَحَقِّقُ مِنْ الشَّرْعِ لَيْسَ إلَّا ثُبُوتَ الْحُكْمِ الْمَعْلُومِ مِنْ تَبَادُلِ الْمِلْكَيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الْفِعْلَيْنِ أَعْنِي الشَّطْرَيْنِ بِوَضْعِهِمَا سَبَبًا لَهُ شَرْعًا وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ ثَالِثٌ.
كَذَا حَقَّقَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ إذْ يُصَحُّ الْكَلَامُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ تَعَلَّقَ كَلَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ بِالْآخَرِ شَرْعًا فِي الْبِنَايَةِ أَنَّهُ انْضِمَامُ كَلَامِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمَحَلِّ اهـ.
وَهُوَ أَمْرٌ ثَالِثٌ غَيْرُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْبَيْعُ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ فَصَحَّ التَّرْكِيبُ وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَالْعَقْدُ رَبْطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ أَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ شَرْعًا لَكِنْ هُنَا أُرِيدَ بِالْعَقْدِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ وَهُوَ الِارْتِبَاطُ لَكِنَّ النِّكَاحَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ يَعْتَبِرُ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ أَرْكَانَ عَقْدِ النِّكَاحِ لَا أُمُورًا خَارِجِيَّةً كَالشَّرَائِطِ وَنَحْوِهَا، وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ التَّنْقِيحِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ كَالْبَيْعِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ يَحْكُمُ بِأَنَّ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ الْمَوْجُودَيْنِ حِسًّا يَرْتَبِطَانِ ارْتِبَاطًا حُكْمِيًّا فَيَحْصُلُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ يَكُونُ مِلْكُ الْمُشْتَرِي أَثَرًا لَهُ فَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْبَيْعُ فَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجْمُوعُ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ ذَلِكَ الِارْتِبَاطِ لِلشَّيْءِ لَا أَنَّ الْبَيْعَ مُجَرَّدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ آلَةٌ لَهُ كَمَا تَوَهَّمَ الْبَعْضُ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُمَا أَرْكَانًا يُنَافِي ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ تَقْرِيرٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ الْمُبَادَلَةُ عِلَّةٌ صُورِيَّةٌ لِلْبَيْعِ وَالْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ وَالتَّعَاطِي عِلَّةٌ مَادِّيَّةٌ وَالْمُبَادَلَةُ تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَهِيَ الْعِلَّةُ الْفَاعِلِيَّةُ وَسَكَتَ عَنْ الْعِلَّةِ الْغَائِيَّةِ هُنَا، وَذَكَرَهَا فِي النِّكَاحِ وَهِيَ هُنَا الْمِلْكُ وَثَمَّةَ الْمَصَالِحُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنِّكَاحِ، وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْعَقِدُ بِمَجْمُوعِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اهـ.
وَفِي الْقَامُوسِ عَقَدْت الْحَبْلَ وَالْعَهْدَ وَالْبَيْعَ فَانْعَقَدَ اهـ.
فَإِنْ قُلْتُ: فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْبَيْعُ يَنْعَقِدُ، وَكَذَا أَمْثَالُهُ، فَإِنَّ الْمَعْنَى الْعَقْدُ يَنْعَقِدُ قُلْتُ: الْمَعْنَى الْعَقْدُ الشَّرْعِيُّ الْخَاصُّ يَثْبُتُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَفِي الْقَامُوسِ عَقَدَ الْحَبْلَ وَالْبَيْعَ وَالْعَهْدَ يَعْقِدُهُ شَدَّهُ وَفِي تَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيّ الْعَقْدُ وَصْلُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِثْبَاتِ وَالِاسْتِحْكَامِ اهـ.
وَفِي تَفْسِيرِ الْقَاضِي وَأَصْلُ الْعَقْدِ الْجَمْعُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ يَعْسُرُ الِانْفِصَالُ بَيْنَهُمَا اهـ.
وَالْعَقْدُ شَرْعًا عَلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ رَبْطُ الْقَبُولِ بِالْإِيجَابِ. وَأَمَّا حَمْلُ كَلَامِ الْمُسْتَصْفَى عَلَى الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْمِلْكُ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ قَالَ الْبَيْعُ عِبَارَةٌ عَنْ أَثَرٍ شَرْعِيٍّ يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ عِنْدَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ حَتَّى يَكُونَ الْعَاقِدُ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ اهـ.
وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَظْهَرُ عِنْدَهُمَا إنَّمَا يَظْهَرُ بِهِمَا عَقِيبَهُمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ يَعْقُبُهُ وَلِأَنَّهُ جَعَلَ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّصَرُّفِ غَايَةً لِذَلِكَ الْأَثَرِ وَالْقُدْرَةُ هِيَ الْمِلْك فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِذَلِكَ الْأَثَرِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْمُغَيَّا غَيْرُ الْغَايَةِ فَافْهَمْ هَذَا التَّقْرِيرَ، فَإِنَّهُ دَقِيقٌ وَالْإِيجَابُ لُغَةً الِالْتِزَامُ وَالْإِثْبَاتُ وَفِي الْفِقْهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَا يُذْكَرُ أَوَّلًا مِنْ كَلَامِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الدَّالِّ عَلَى الرِّضَا وَسُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ خِيَارُ الْقَبُولِ لِلْآخَرِ وَسَوَاءٌ وَقَعَ مِنْ الْبَائِعِ كَبِعْتُ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي كَأَنْ يَبْدَأَ الْمُشْتَرِي؛ وَالْقَبُولُ فِي اللُّغَةِ مِنْ قَبِلْت الْعَقْدَ أَقْبَلُهُ مِنْ بَابِ تَعِبَ قَبُولًا بِالْفَتْحِ
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُمَا أَيْ الْإِيجَابَ وَالْقَبُولَ غَيْرَهُ أَيْ غَيْرَ الْبَيْعِ. (قَوْلُهُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ مَعْنًى شَرْعِيٌّ) قَائِلُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ لَا حَاجَةَ إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ) أَيْ تَقْدِيرُ الْمُضَافِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَهُوَ لَفْظُ حُكْمٍ وَمُرَادُهُ الرَّدُّ عَلَى الْفَتْحِ ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الِانْعِقَادَ إلَخْ إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ حَيْثُ عَبَّرَ فِيهَا بِيَنْعَقِدُ بَدَلَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَلْزَمُ وَفَرَّقَ مَا بَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنَّ مَا بَنَى عَلَيْهِ كَلَامَهُ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ مَجْمُوعُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ مَعَ الِارْتِبَاطِ لَا يُفِيدُ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يُصَيِّرُ الْبَيْعَ الَّذِي هُوَ مَجْمُوعُ الثَّلَاثَةِ يَنْعَقِدُ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ أَيْ يَرْتَبِطُ نَعَمْ يَتَّضِحُ تَفْسِيرُ يَنْعَقِدُ بِيَحْصُلُ تَأَمَّلْ