مِنْ اللُّقَطَةِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ عَقِيبَ الْجِهَادِ، وَأَمَّا التَّلَفُ فِي الْآبِقِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الِانْتِفَاعُ لِلْمَوْلَى لَا مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعُدْ إلَى مَوْلَاهُ لَا يَمُوتُ بِخِلَافِ اللَّقِيطِ فَإِنَّهُ لِصِغَرِهِ إنْ لَمْ يُرْفَعْ يَمُوتُ، فَالْأَنْسَبُ تَرْتِيبُ الْمَشَايِخِ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَذَا تَعْبِيرُهُمْ بِالْكِتَابِ لِكُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَنْسَبُ مِنْ الْبَابِ لِمَا أَنَّ مَسَائِلَ كُلٍّ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ لَمْ تَدْخُلْ فِي شَيْءٍ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا، وَفِي الْقَامُوسِ أَبَقَ الْعَبْدُ كَسَمِعَ وَضَرَبَ وَمَنَعَ أَبْقًا وَيُحَرَّكُ وَإِبَاقًا كَكِتَابٍ ذَهَبَ بِلَا خَوْفٍ وَلَا كَدِّ عَمَلٍ أَوْ اسْتَخْفَى، ثُمَّ ذَهَبَ فَهُوَ آبِقٌ وَأَبُوقٌ، وَجَمْعُهُ كَكُفَّارٍ وَرُكَّعٍ. اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْثَرُ أَنَّهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ. اهـ.
وَلَمَّا كَانَ الْهَرَبُ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْقَصْدِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى زِيَادَتِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا الضَّالُّ فَلَيْسَ فِيهِ قَصْدُ التَّغَيُّبِ، بَلْ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَوْلَاهُ لِجَهْلِهِ بِالطَّرِيقِ إلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
قَوْلُهُ (: أَخْذُهُ أَحَبُّ إنْ يَقْوَ عَلَيْهِ) أَيْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إحْيَائِهِ؛ لِأَنَّهُ هَالِكٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَكُونُ الرَّدُّ إحْيَاءً لَهُ قَيَّدَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ فَلَا اسْتِحْبَابَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا خَافَ هَلَاكَهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ، وَصَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ حُكْمَ أَخْذِهِ حُكْمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ فَعَلَى هَذَا يُفْتَرَضُ أَخْذُهُ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ وَيُنْدَبُ إنْ لَمْ يَخَفْ وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ لِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ إنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَثِيرًا مِنْ أَحْكَامِهِ بَعْدَ أَخْذِهِ، قَالَ فِي الْبَدَائِعِ إنْ شَاءَ الْآخِذُ أَمْسَكَهُ حَتَّى يَجِيءَ صَاحِبُهُ وَإِنْ شَاءَ ذَهَبَ بِهِ إلَى صَاحِبِهِ فَإِنْ ادَّعَى إنْسَانٌ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَاسْتَوْثَقَ بِكَفِيلٍ إنْ شَاءَ لِجَوَازِ أَنْ يَدَّعِيَهُ آخَرُ، وَإِنْ لَمْ يُبَرْهِنْ وَأَقَرَّ الْعَبْدُ لِمُدَّعِيهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَيَأْخُذُ كَفِيلًا فَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَاعَهُ الْقَاضِي وَحَفِظَ ثَمَنَهُ لِصَاحِبِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ بَعْدَهُ وَبَرْهَنَ دَفَعَ الثَّمَنَ إلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ، وَلَوْ زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّهُ دَبَّرَهُ وَكَاتَبَهُ لَمْ يُصَدَّقْ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ. اهـ.
وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَتِهِ آخِرًا. وَيَسْتَحْلِفُ الْقَاضِي مُدَّعِيَهُ مَعَ الْبُرْهَانِ بِاَللَّهِ أَنَّهُ بَاقٍ إلَى الْآنِ فِي مِلْكِك لَمْ يَخْرُجْ بِبَيْعٍ وَلَا هِبَةٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَنْبَغِي لِلرَّادِّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ إلَى الْإِمَامِ عِنْدَ السَّرَخْسِيِّ وَخَيَّرَهُ الْحَلْوَانِيُّ، وَإِذَا جَاءَ بِهِ إلَى الْقَاضِي هَلْ يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي بِلَا بَيِّنَةٍ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي نَصْبِ الْقَاضِي خَصْمًا لِمُدَّعِيهِ حَتَّى تُقْبَلَ بَيِّنَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُحَمَّدٌ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْ مُدَّعِيهِ بَعْدَ الْبُرْهَانِ كَمَا اخْتَلَفُوا فِي أَخْذِ الضَّالِّ، وَإِذَا أَبَقَ الْعَبْدُ وَذَهَبَ بِمَالِ الْمَوْلَى فَجَاءَ بِهِ رَجُلٌ، وَقَالَ لَمْ أَجِدْ مَعَهُ شَيْئًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ وُصُولُ يَدِهِ إلَى الْعَبْدِ دَلِيلًا عَلَى وُصُولِ يَدِهِ إلَى الْمَالِيَّةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَنْ رَدَّهُ مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا) جُعْلًا لَهُ اسْتِحْسَانًا يَسْتَحِقُّهَا عَلَى مَوْلَاهُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - اتَّفَقُوا عَلَى أَصْلِ وُجُوبِ الْجُعْلِ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ أَرْبَعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ دُونَهُ فَأَوْجَبَ الْأَرْبَعِينَ فِي مَسِيرَةِ السَّفَرِ وَمَا دُونَهَا فِيمَا دُونَهُ تَوْفِيقًا وَتَلْفِيقًا فَلَوْ جَاءَ بِالْآبِقِ رَجُلٌ فَأَنْكَرَ مَوْلَاهُ إبَاقَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ فَإِنْ بَرْهَنَ أَنَّهُ أَبَقَ أَوْ أَنَّ مَوْلَاهُ أَقَرَّ بِذَلِكَ قُبِلَتْ.
كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَيَّدَ بِالْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا جُعْلَ لِرَادِّ الضَّالِّ؛ لِأَنَّهُ بِالسَّمْعِ وَلَا سَمْعَ فِي الضَّالِّ فَامْتَنَعَ؛ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى صِيَانَةِ الضَّالِّ دُونَهَا فِي الْآبِقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَارَى وَالْآبِقُ يَخْتَفِي، وَهَذَا مِمَّا فَارَقَ فِيهِ الْآبِقُ فِيهِ، وَكَذَا فِي حَبْسِهِ فَإِنَّ الْآبِقَ إذَا رُفِعَ إلَى الْإِمَامِ يَحْبِسُهُ وَلَا يَحْبِسُ الضَّالَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْآبِقِ مِنْ الْإِبَاقِ ثَانِيًا بِخِلَافِ الضَّالِّ، وَكَذَا لَا يَأْخُذُهُ الْوَاجِدُ، بَلْ تَرْكُهُ أَفْضَلُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مِنْ مَكَانِهِ فَيَجِدُهُ الْمَالِكُ بِخِلَافِ الْآبِقِ، وَكَذَا لَا جُعْلَ لِرَادِّ الصَّبِيِّ الْحُرِّ.
أَطْلَقَ الرَّادَّ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ اثْنَيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْأَرْبَعِينَ إذَا رَدَّاهُ لِمَوْلَاهُ كَمَا فِي الْحَاوِي وَشَمِلَ مَا إذَا رَدَّهُ مَحْرَمُهُ إلَيْهِ فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا رَدَّهُ مَنْ فِي عِيَالِ سَيِّدِهِ إلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا جُعْلَ لَهُ، وَكَذَا يَرِدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يُفْتَرَضُ أَخْذُهُ إنْ خَافَ ضَيَاعَهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدَّمَ عَنْ الْبَدَائِعِ أَنَّ أَخْذَ اللُّقَطَةِ مَعَ خَوْفِ الضَّيَاعِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْفَرْضِيَّةِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ حُكْمَ أَخْذِهِ حُكْمُ أَخْذِ اللُّقَطَةِ أَنَّهُ يَكُونُ فَرْضًا فَسُبْحَانَ مَنْ تَنَزَّهَ عَنْ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ نَعَمْ فِي الْفَتْحِ يُمْكِنُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي اللُّقَطَةِ بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُهُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ لَمْ يَأْخُذْهُ مَعَ قُدْرَةٍ تَامَّةٍ عَلَيْهِ فَيَجِبُ أَخْذُهُ وَإِلَّا فَلَا.