إلَيْهِ اسْتِيثَاقًا وَهَذَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ لِوَارِثٍ غَائِبٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ كَفِيلًا مَعَ إقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ وَالْمُرَادُ بِبَيَانِ الْعَلَامَةِ بَيَانُهَا مَعَ الْمُطَابَقَةِ وَقَدَّمْنَا فِي اللَّقِيطِ أَنَّ الْإِصَابَةَ فِي بَعْضِ الْعَلَامَاتِ لَا تَكْفِي وَصَرَّحَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي التَّصْوِيرِ بِأَنَّهُ أَصَابَ فِي عَلَامَاتِ اللُّقَطَةِ كُلِّهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ شَرْطٌ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إذَا بَيَّنَ كُلٌّ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ لَهَا عَلَامَاتِهَا وَأَصَابَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ لَهُ الدَّفْعُ لَهُمَا.

(قَوْلُهُ وَيَنْتَفِعُ بِهَا لَوْ فَقِيرًا وَإِلَّا تَصَدَّقَ عَلَى أَجْنَبِيٍّ وَلِأَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ لَوْ فَقِيرًا) أَيْ يَنْتَفِعُ الْمُلْتَقِطُ بِاللُّقَطَةِ بِأَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِشَرْطِ كَوْنِهِ فَقِيرًا نَظَرًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا جَازَ الدَّفْعُ إلَى فَقِيرٍ آخَرَ وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ الْمُلْتَقِطِ فَظَاهِرٌ لِلْحَدِيثِ فَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَلِيَتَصَدَّقْ بِهَا وَالصَّدَقَةُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْفَقِيرِ كَالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَكَذَلِكَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَانْتَفِعْ بِهَا» وَكَانَ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلْفَقِيرِ حَمْلًا لَهُ عَلَى رَفْعِهَا صِيَانَةً لَهَا وَالْغَنِيُّ يُشَارِكُهُ فِيهِ وَلَنَا أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ فَلَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِرِضَاهُ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ وَالْإِبَاحَةُ لِلْفَقِيرِ لِمَا رَوَيْنَا أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَالْغِنَى مَحْمُولٌ عَلَى الْأَخْذِ لِاحْتِمَالِ افْتِقَارِهِ فِي مُدَّةِ التَّعْرِيفِ وَالْفَقِيرُ قَدْ يَتَوَانَى لِاحْتِمَالِ اسْتِغْنَائِهِ فِيهَا وَانْتِفَاعُ أُبَيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَهُوَ جَائِزٌ بِإِذْنِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَقَدْ أَفَادَ أَنَّ الْغَنِيَّ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ الْقَرْضِ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا أَنَّ الْحِلَّ لِلْفَقِيرِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْقَاضِي وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَرَادَ الْمُلْتَقِطُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ بَعْدَمَا عَرَّفَهَا هَذِهِ الْمُدَّةَ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا إنْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي أَنْ يُنْفِقَهَا عَلَى نَفْسِهِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ وَلَا يَحِلُّ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بِشْرٌ يَحِلُّ اهـ وَإِنَّمَا فَسَّرْنَا الِانْتِفَاعَ بِالتَّمَلُّكِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الِانْتِفَاعَ بِدُونِهِ كَالْإِبَاحَةِ وَلِذَا مَلَكَ بَيْعَهَا وَصَرْفَ الثَّمَنِ إلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ الِانْتِفَاعِ لِلْغَنِيِّ فَشَمِلَ الْقَرْضَ وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَيْسَ لِلْمُلْتَقِطِ إذَا كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِطَرِيقِ الْقَرْضِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ صَدَقَةً لَا قَرْضًا اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي وَلَدِهِ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَقَارِبَ الْمُلْتَقِطِ وَأُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ وَزَوْجَتَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ لِأَنَّ الْجَوَازَ لِلْفَقْرِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْكُلِّ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الصَّغِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا لِأَنَّ الْوَلَدَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ حُكْمَ مَا إذَا انْتَفَعَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ حُكْمِ مَا إذَا تَصَدَّقَ بِهَا الْمُلْتَقِطُ ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ بِالْأَوْلَى فَلَهُ أَنْ يُجِيزَ وَأَنْ يَضْمَنَ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ وَجَدَ عَرْضًا لُقَطَةً فَعَرَّفَهَا وَلَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا وَهُوَ فَقِيرٌ ثُمَّ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَصَابَ مَالًا قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ زَادَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ فَأَفَادَ الِاخْتِلَافَ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ بِأَنْ يَتَمَلَّكَهَا) قَالَ فِي النَّهْرِ مَعْنَى الِانْتِفَاعِ بِهَا صَرْفُهَا إلَى نَفْسِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ مَا بَقِيَتْ فِي يَدِهِ لَا تَمَلُّكهَا كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ لِمَا أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ وَعِنْدَهُ مَا تَصِيرُ بِهِ نِصَابًا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ تَحْتَ يَدِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ اهـ.

وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ عَيْنًا فَانْتَفَعَ بِهَا بِلُبْسٍ وَنَحْوِهِ لَا يَمْلِكُهَا مَعَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَرَفَهَا إلَى نَفْسِهِ وَمُرَادُ الْمُؤَلِّفِ بِالتَّمَلُّكِ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْإِبَاحَةِ كَمَا يُنَبِّهُ عَلَيْهِ أَيْ يَنْتَفِعُ بِهَا وَهِيَ مِلْكُهُ حَالَ الِانْتِفَاعِ لَا أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهَا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ مُتُونًا وَشُرُوحًا إلَخْ) يُخَالِفُهُ مَا فِي مَتْنِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا بِإِذْنِ الْقَاضِي وَقِيلَ بِدُونِهِ وَعَزَا الْأَوَّلَ فِي شَرْحِهِ الْبُرْهَانَ إلَى الْأَكْثَرِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الصَّغِيرِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُلْتَقِطُ فَقِيرًا) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا سَهْوٌ بَلْ الْمُرَادُ الْكَبِيرُ إذْ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا وَلَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الصَّغِيرِ فَكَيْفَ يَشْمَلُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى وَلَدٍ غَنِيٍّ قَالَ أَبُو السُّعُودِ وَقَدْ تَبِعَهُ الْحَمَوِيُّ وَوَجْهُ عَدَمِهِ الشُّمُولَ أَنَّ ابْنَ الْغَنِيِّ الصَّغِيرَ يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ بِخِلَافِ ابْنِهِ الْكَبِيرِ حَيْثُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِغَنَاءِ أَبِيهِ وَأَقُولُ: تَسْهِيَةُ صَاحِبِ الْبَحْرِ إنَّمَا تَتَّجِهُ أَنْ لَوْ كَانَ تَصَدُّقُ الْمُلْتَقِطِ بِهَا عَلَى غَيْرِهِ يَنْحَصِرُ فِيمَا لَوْ كَانَ غَنِيًّا مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ إذْ لِلْفَقِيرِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا أَيْضًا كَالْغَنِيِّ وَإِنْ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى نَفْسِهِ لِفَقْرِهِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْبَحْرِ عَلَيْهِ وَكَوْنُ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْمُلْتَقِطُ غَنِيًّا لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015