النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ لِسُقُوطِهَا، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بِدَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَةَ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا فَوَاتُ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَقَدْ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ هُنَا لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَوَاتُ مِنْ جِهَتِهِ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِبَقَائِهِ تَقْدِيرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ بَاقِيًا تَقْدِيرًا وَبِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ النَّفَقَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِحَبْسِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ حُبِسَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ هَرَبَ أَوْ نَشَزَ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ هُنَا فَاتَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَحْبِسَهُ هِيَ لِدَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ أَوْ يَحْبِسَهُ أَجْنَبِيٌّ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا حَبَسَتْهُ وَطَلَبَ أَنْ تُحْبَسَ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ، وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ تُحْبَسُ مَعَهُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كُرْهًا وَذَهَبَ بِهَا فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ فَيَكُونُ لَهَا نَفَقَةُ الْحَضَرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إذَا أَرَادَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَطْلَقَ الْحَجَّ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَمَا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جِهَتِهَا فَأَوْجَبَ سُقُوطَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَاصِيَةً فِي الْخُرُوجِ أَوْ طَائِعَةً بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِوُجُودِ الِاحْتِبَاسِ فَلَا يَمْنَعُ اشْتِغَالُهَا بِهِمَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَجِّ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ الشَّامِلِ لِحَجِّهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا حَجَّ مَعَهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ اتِّفَاقًا وَهِيَ نَفَقَةُ الْحَضَرِ لَا السَّفَرِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْ الِانْتِقَالِ مَعَ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ طَلَبَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَهِيَ فِي بَيْتِهَا مُطْلَقًا وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً قَبْلَ النُّقْلَةِ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ فَنُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ النُّقْلَةِ وَقَبْلَهَا أَيْضًا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَلَمْ يَنْقُلْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ النُّقْلَةِ لَوْ طَالَبَهَا الزَّوْجُ وَإِنْ كَانَتْ تَمْتَنِعُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَالصَّحِيحَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِذَا نُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ شَرْعًا اهـ.
فَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرِيضَةَ كَالصَّحِيحَةِ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَفِي التَّجْنِيسِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إذَا مَرِضَتْ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ ذَاكَ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرَضُهَا مَانِعًا مِنْ النُّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا وَعَلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ إلَخْ) وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ مَاطَلَهَا بِالنَّفَقَةِ وَسَأَلَتْ الْقَاضِيَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً فَعَلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ دَيْنًا مَعَ الصَّدَاقِ فَيَسْتَدِيمُ الْحَبْسَ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ الْكُلَّ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي احْبِسْهَا مَعِي فَإِنَّ لِي مَوْضِعًا فِي الْحَبْسِ خَالِيًا فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهَا مَعَهُ، وَلَكِنَّهَا تَصِيرُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَيُحْبَسُ الزَّوْجُ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذَكَرَ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي قِسْمِ الْفَتَاوَى مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا حُبِسَ زَوْجُهَا وَلَمْ تُحْبَسْ تَذْهَبُ حَيْثُ تُرِيدُ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إذَا أَرَادَتْ حَبْسَ الزَّوْجِ لَوْ حَبَسْتُ زَوْجَك حَبَسْتُكِ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ جَمِيعًا يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ ذَهَابِهَا أَيْنَمَا تُرِيدُ. اهـ. وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ فِيمَا إذَا حَبَسَتْهُ هِيَ أَوْ مِثْلُهُ مَا إذَا حَبَسَهُ غَيْرُهُ.
(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ