الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ فَيَبْطُلُ الْإِقْرَارُ، وَلَوْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ؛ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ بَعْدَهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا لَا وَذُكِرَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ هَذَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالطَّلَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُمَا لَا يَثْبُتُ وَإِنْ كَانَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ كَمَا إذَا أَقَرَّتْ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا سَنَتَانِ إلَّا شَهْرَيْنِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ ثُبُوتِهِ أَنْ يَكُونَ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ بِالْمَوْتِ أَوْ بِالطَّلَاقِ وَبَعْدَهُ لَا يَثْبُتُ وَإِنْ لَمْ تُقِرَّ بِالِانْقِضَاءِ فَمَعَ الْإِقْرَارِ أَوْلَى إلَّا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ وَيَكُونُ مُرَاجِعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ.
بَقِيَ فِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ مَا إذَا أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ وَلِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ نَسَبُهُ إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ تَحْتَمِلُ ذَلِكَ بِأَنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مَا مَضَى سَنَةٌ مَثَلًا ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ عِدَّتَهَا انْقَضَتْ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ أَقَرَّتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إقْرَارِهَا بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهَا بِيَقِينٍ إلَّا إذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي السَّاعَةَ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ اهـ.
وَهَذَا الْإِشْكَالُ ظَاهِرٌ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُمْ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِضَاءِ السَّاعَةَ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ غَايَةِ الْبَيَانِ أَطْلَقَ الْمُعْتَدَّةَ فَشَمِلَ الْمُعْتَدَّةَ عَنْ طَلَاقٍ بِنَوْعَيْهِ وَعَنْ وَفَاةٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ وَالْآيِسَةُ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، فَإِذَا وَلَدَتْ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا فِي الطَّلَاقِ إلَى سَنَتَيْنِ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ لَمْ تُقِرَّ اهـ. وَقَدَّمْنَاهُ عَنْ الْبَدَائِعِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ وَالْمُعْتَدَّةُ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ حَبَلٍ ظَاهِرٍ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ أَوْ تَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ) أَيْ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْمُعْتَدَّةِ إنْ جُحِدَتْ وِلَادَتُهَا بِأَحَدِ أُمُورٍ أَرْبَعَةٍ فَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَائِمٌ بِقِيَامِ الْعِدَّةِ وَهُوَ مُلْزِمٌ لِلنَّسَبِ وَالْحَاجَةِ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ بِشَهَادَتِهَا وَلَهُ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِإِقْرَارِهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَالْمُنْقَضِي لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ ابْتِدَاءً فَيُشْتَرَطُ كَمَالُ الْحُجَّةِ وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِظُهُورِ الْحَبَلِ أَوْ الِاعْتِرَافِ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالتَّعْيِينُ يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِتَصْدِيقِ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ وَفَاةٍ فَصَدَّقَهَا الْوَرَثَةُ فِي الْوِلَادَةِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَحَدٌ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ خَالِصُ حَقِّهِمْ فَيُقْبَلُ فِيهِ تَصْدِيقُهُمْ.
وَأَمَّا فِي النَّسَبِ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ تَبَعٌ لِلثُّبُوتِ فِي حَقِّهِمْ وَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَصْدِيقِهِمْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلِذَا عُبِّرَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِلَفْظِ التَّصْدِيقِ دُونَ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ تَبَعًا لَا تُرَاعَى فِيهِ الشَّرَائِطُ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِيَتَعَدَّى إلَى غَيْرِ الْمُصَدِّقِ وَقُيِّدَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُصَدِّقُ جَمْعًا مِنْ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ لَوْ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً لَمْ يُشَارِكْ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ وَلَوْ صَدَّقَهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِنْهُمْ شَارَكَ الْمُصَدِّقِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ فَكَانَ ذَلِكَ كَشَهَادَةِ غَيْرِهِمْ إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَبِرُوا لَفْظَ الشَّهَادَةِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ؛ لِأَنَّهُ يُشَارِكُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشْبِهُ الشَّهَادَةَ اُعْتُبِرَ الْعَدَدُ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ مَا اعْتَبَرْنَا الْخُصُومَةَ وَإِتْيَانَ لَفْظِ الشَّهَادَةِ تَوْفِيرًا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِابْنِ بُنْدَارٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَحَدُ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ فِي تَصْدِيقِهِمْ وَهُوَ الْعَدَدُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ شَهَادَةٌ وَلَمْ يُشْتَرَطْ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَصْدِيقِ وَرَثَةٍ بِالتَّنْكِيرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَبْطَلَتْ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ لَا أَشْتَرِي الْعَبِيدَ وَلَا أَتَزَوَّجُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ أَيْضًا) قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ مَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ ثُمَّ قَالَ فَقَوْلُ شَيْخِنَا يَعْنِي صَاحِبَ الْبَحْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْعَدَالَةُ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.
قُلْت وَفِيهِ أَنَّهُ كَيْفَ يُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ فِي الْمُقِرِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ لِأَجْلِ السِّرَايَةِ فَتَأَمَّلْ وَرَاجِعْ. اهـ.
كَلَامُ الدُّرِّ أَيْ: لِأَجْلِ سِرَايَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى غَيْرِ الْمُقِرِّ، وَهَذَا الْجَوَابُ ظَاهِرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّأَمُّلِ وَالْمُرَاجَعَةِ قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ