بَعْدَ إنْكَارِهِ فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً إنِّي كُنْت طَلَّقْتهَا قَبْلَ ذَلِكَ طَلْقَةً بِمُدَّةٍ مَدِيدَةٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعُرِفَ أَنَّ تَقْيِيدَهُ بِالْإِقْرَارِ يُفِيدُ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُتَقَدِّمَ إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ يَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ قَامَتْ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْإِقْرَارِ اهـ.
وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ تَأْخِيرُ الشَّهَادَةِ لِعُذْرٍ أَمَّا إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ صَدَّقَتْهُ أَوْ كَذَّبَتْهُ وَلَا يَظْهَرُ أَثَرُ تَصْدِيقِهَا إلَّا فِي إسْقَاطِ النَّفَقَةِ وَوَفَّقَ السُّغْدِيُّ فَحَمَلَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ وَكَلَامَ الْمَشَايِخِ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْكَذِبَ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ، وَهَذَا هُوَ التَّوْفِيقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ فَتْوَى الْمُتَأَخِّرِينَ مُخَالِفَةٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَحَلِّ التُّهْمَةِ وَلِذَا قَيَّدَهُ السُّغْدِيُّ بِأَنْ يَكُونَا مُجْتَمِعَيْنِ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَتَاهَا كِتَابٌ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى يَدِ ثِقَةٍ بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ أَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِرَجُلٍ طَلَّقَنِي زَوْجِي وَانْقَضَتْ عِدَّتِي لَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بَعْدَمَا دَخَلَ بِهَا فَلَمْ يُعَدَّلَا حَتَّى مَضَى أَيَّامٌ ثُمَّ عُدِّلَا وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ بَيْنَهُمَا تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ اهـ.
وَهَلْ يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بَعْدَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ كَتَبْنَاهَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ فِي السَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَثِمِائَةِ وَكَتَبْنَا فِيهَا مَا تُسْمَعُ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِدُونِ الدَّعْوَى وَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا فَضَرَبَهَا فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا فَأَنْكَرَ الزَّوْجُ الضَّرْبَ فَأَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ وَقَضَى الْقَاضِي بِالْفُرْقَةِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ، وَلَوْ طَلَّقَهَا فَأَنْكَرَ فَأُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ فَقُضِيَ بِالطَّلَاقِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا الْقَضَاءِ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ: إنْ فَعَلْتِ كَذَا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ فَعَلَتْ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِهِ وَمَضَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاعْتَدَّتْ ثُمَّ أَخْبَرَتْ زَوْجَهَا بِمَا صَنَعَتْ وَصَدَّقَهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ عِنْدَنَا لَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ وَعِنْدَ زُفَرَ تَحِلُّ؛ لِأَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ عِنْدَهُ وَلَا مَحَلَّ لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِكَوْنِهَا مِنْ وَقْتِ طَلَاقِهَا نَفْسِهَا لَا مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ وَلَا مِنْ وَقْتِ الضَّرْبِ كَمَا جُزِمَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فِي شَوَّالٍ وَقُضِيَ بِالْفُرْقَةِ فِي الْمُحَرَّمِ فَالْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ لَا مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ أَقَامَ مَعَهَا زَمَانًا إنْ أَقَامَ وَهُوَ يُنْكِرُ طَلَاقَهَا لَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَإِنْ أَقَامَ وَهُوَ يُقِرُّ بِالطَّلَاقِ تَنْقَضِي عِدَّتُهَا اهـ. فَعَلَى هَذَا مَبْدَأُ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا أَيْضًا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَدْخُولَةِ: كُلَّمَا حِضْتِ وَطَهُرْتِ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ ثَلَاثًا كَانَتْ الْعِدَّةُ عَلَيْهَا مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا إذَا حَاضَتْ ثَلَاثًا بَانَتْ بِثَلَاثٍ وَبَقِيَ عَلَيْهَا حَيْضَةٌ مِنْ عِدَّتِهَا لَكِنَّ الثَّالِثَةَ لَا تَقَعُ إلَّا بِالطُّهْرِ، وَفِي الْقُنْيَةِ تَزَوَّجَهَا نِكَاحًا فَاسِدًا وَأَنْكَرَ الدُّخُولَ وَهِيَ تَزْعُمُ أَنَّهَا غَيْرُ بَالِغَةٍ وَأَنَّهُ دَخَلَ بِهَا لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ حَتَّى يَحْرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى غَيْرِهِ اهـ.
فَعَلَى هَذَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَقَوْلُهَا فِي وُجُوبِ الْعِدَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَفِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بَعْدَ التَّفْرِيقِ أَوْ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ وَطْئِهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَطْءٍ مَهْرٌ قِيلَ: إنْ كَانَتْ الطَّلْقَاتُ الثَّلَاثُ جُمْلَةً فَظَنَّ أَنَّهَا لَمْ تَقَعْ فَهُوَ ظَنٌّ فِي مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا تَقَعُ لَكِنْ ظَنَّ أَنَّ وَطْأَهَا حَلَالٌ فَهُوَ ظَنٌّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَلْزَمُهُ بِكُلِّ وَطْءٍ مَهْرٌ. (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُعْتَبَرَ الْعِدَّةُ مِنْ وَقْتِ قَامَتْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: مُرَادُهُ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لَا مِنْ وَقْتِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْقَاضِي اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ وَوَفَّقَ السُّغْدِيُّ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَحَلِّ التُّهْمَةِ وَالنَّاسِ الَّذِينَ هُمْ مَظَانُّهَا وَلِذَا فَصَلَ السُّغْدِيُّ حَيْثُ قَالَ مَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ يَعْنِي مِنْ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْعِدَّةِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَا مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ الْوَقْتِ الَّذِي أُسْنِدَ الطَّلَاقُ إلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَا مُجْتَمِعَيْنِ فَالْكَذِبُ فِي كَلَامِهِمَا ظَاهِرٌ فَلَا يُصَدَّقَانِ فِي الْإِسْنَادِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَعَلَى هَذَا إذَا فَارَقَهَا زَمَانًا ثُمَّ قَالَ لَهَا: كُنْت طَلَّقْتُكِ مُنْذُ كَذَا وَهِيَ لَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ يُصَدَّقُ وَتُعْتَبَرُ عِدَّتُهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ وَلَا سُكْنَى لِاعْتِرَافِهَا بِالسُّقُوطِ، وَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا.
(قَوْلُهُ تُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ يَوْمِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ يَوْمِ الْقَضَاءِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ هَذَا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ: مِنْ يَوْمِ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ لَا مِنْ يَوْمِ أَدَائِهَا فَإِنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا فِي الْمُحَرَّمِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي شَوَّالٍ كَانَ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْ شَوَّالٍ كَمَا يَأْتِي