ومعنى هذا أن الخليل وإن كان من المحتمل أن يكون قد سمع بالترتيب الصوتي الهندي؛ فقد خالفه حين التطبيق. ويبدو أنه اهتدى بذوقه وحسه الفطري إلى الترتيب الذي توصل إليه. ويؤيد ذلك ما جاء في مقدمة العين عن كيفية اهتداء الخليل إلى هذا النظام، ونصه: "فدبر ونظر إلى الحروف كلها وذاقها فصير أولاها بالابتداء أدخل حرف منها في الحلق. وإنما كان ذواقه إياها أنه كان يفتح فاه بالألف ثم يظهر الحرف نحو: أب - أت - أح - أع - أغ فوجد العين أدخل الحروف في الحلق فجعلها في أول الكتاب، ثم قرب منها الأرفع فالأرفع حتى أتى على آخرها وهو الميم"1.
كما يشرح الليث كيف وردت الفكرة إلى ذهن الخليل، وكيف قلب النظر فيها حتى انتهى إليها وأخرجها إلى حيز الوجود فيقول إن الخليل حين ورد عليه خراسان فاتحة في تلك الفكرة التي كان من الصعب على العقل العادي إدراكها "فجعلت أستفهمه ويصف لي ولا أقف على ما يصف، فاختلفت إليه في هذا المعنى أيامًا، ثم اعتل وحججت، فرجعت من الحج فإذا هو قد ألف الحروف كلها على ما في صدر هذا الكتاب"2.
ومما يدل على أن العرب لم يكونوا ناقلين بل مجتهدين ما نراه من خلافات بينهم فيترتيب الأحرف العربية، فترتيب الخليل غير ترتيب سيبويه، وترتيب ابن جني يختلف قليلًا عن ترتيب سيبويه3.
ب- أن دراسة الهنود للأصوات قد تميزت بوضع مقاييس محددة لأصوات اللين، وتحديد وظيفة التجويف الحنجري، ودور الأوتار الصوتية في إحداث الجهر والهمس. كما تميزت بدراسة المقطع ومواضع النبر. ولا نجد لهذا نظيرًا عند اللغويين العرب.