بعض القراءات وصححوها1، فإن هذا لا يكفي لإثبات دعواه. وقد ذكرنا أمثلة مضادة تكفي لهدم تلك الفكرة، ولا نزعم أنها كل ما أنكره الكوفيون من قراءات.
وإذا كان الكوفيون -كما يقول الدكتور مهدي المخزومي- يستشهدون بالقراءات فلماذا يحاولون الاستدلال على صحتها بالتماس وجه لها في العربية تخرج عليه؟ ولماذا يخطئون ما يعجزون عن تخريجه؟ وأنت ترى ذلك واضحًا في قول إمام من أئمتهم وهو الفراء: "وقرأ الحسن: "إلا من هو صال الجحيم" فإن كان أراد واحدًا فليس بجائز، لأنك لا تقول هذا قاض ولا رام "بالضم"، وإن يكن عرف فيها لغة مقلوبة مثل عاث وعثا فهو صواب"2 فعلام هذا الترديد؟ ولماذا يتوقف تصحيح القراءة على سماع نظير لها من لغة العرب؟ لقد اشتهر الكوفيون بأنهم يقيسون على المثال الواحد، فلماذا لا يقيسون على القراءة ولو لم يكن لها نظير فيما نقلوه من لغة العرب، ويعتبرونها هي المثال الواحد؟.
إن ترك هذا يعني -في نظرنا- أن القراءة عندهم لا ترقى إلى مرتبة الشاهد في الاستدلال، ويعني كذلك أن القراءة لا يوثق فيها بمفردها، ولا يصح الاستشهاد بها إلا مع سند من كلام العرب وهذا ينفي فكرة استشهادهم بالقراءات واحترامهم لها.
وليس معنى هذا أنهم كانوا يرفضون كل لفظ يرد في القراءات وإنما معناه أنهم كانوا لا يكتفون بالقراءات حين يرد فيها لفظ من الألفاظ بل يدعمونها بنص آخر شعري أو نثري حتى يمكن أن يؤخذ بها.
ونحن لا نعيب على النحاة عدم استشهادهم المطلق بالقراءات ورفضهم بناء اللغة الأدبية المشتركة عليها إلا ما وافق منها الأصول العامة وجرى على النمط العربي الفصيح، فذلك عين الصواب كما سبق.