للتقسيم، وما سبق أن ذكرناه من عدم وجود خط محدد يسير عليه كل من الكوفيين والبصريين، فقد رأينا أن نسجل هنا أهم ما يميز الدرس النحوي البصري عن الكوفي، مع اعترافنا بأن هذه المميزات ليست قاطعة أو صارمة، كما ستكشف في تعليقنا الآتي بعد، ويمكن تلخيص هذه المميزات أو الفروق فيما يأتي:
1- ما سبق أن ذكرناه من تشدد البصرة في فصاحة العربي الذي تأخذ عنه اللغة والشعر وتساهل الكوفيين حتى إنهم كانوا يأخذون عن الأعراب الذين قطنوا حواضر العراق، مما جعل بعض البصريين يفخر على الكوفيين بقوله: "نحن نأخذ اللغة عن حرشة الضباب وأكلة اليرابيع، وأنت تأخذونها عن أكلة الشواريز وباعة الكواميخ"1.
2- ما سبق أن ذكرناه من توسع الكوفيين في قبول القراءات القرآنية بالنسبة للبصريين. وذلك ليس نتيجة تقسيمهم للقراءات وحسن تقبلهم لها، وإنما بسبب ما عرفوا به من توسع في أصول اللغة وقياس على القليل واعتداد بالمثال الواحد2.
3- أن البصريين لم يكونوا يكتفون في استخلاص القاعدة بالمثال الواحد أو الأمثلة القليلة "وإنما اشترطوا الكثرة والتداول على ألسنة العرب الفصحاء. أما الكوفيون فكانوا يعتدون بالأشعار والأقوال الشاذة، ولا يشترطون أي نوع من الكثرة في تقعيد قواعدهم، ولهذا يقول السيوطي: "لو سمع الكوفيون بيتًا واحدًا فيه جواز شيء مخالف للأصول جعلوه أصلًا وبوبوا عليه". ويقول: "عادة الكوفيين إذا سمعوا لفظًا في شعر أو نادر كلام جعلوه بابًا أو فصلًا"3.