البحث العلمي يقتضي تحديد العلاقة بين ظاهرتين تحديدا كميا، وفي هذا النطاق الضيق فطن إلى التكميم، وقد تطورت هذه الطريقة بعد "مل" بفضل الطرق الإحصائية التي ساعدت على التعبير عن الارتباط بين ظاهرتين برموز رياضية. وقد اعتقد علماء القرن التاسع عشر من أمثال لابلاس "ت 1243هـ/ 1727م" وكلود برنار "ت 1295هـ/ 1878م" بأن العلية قضية مسلمة، إلا أن التقدم العلمي في القرن "العشرين" زعزع ثقة العلماء في هذه الحتمية فتعرضت للنقد على يد أمثال آرثر ادنجتون "صلى الله عليه وسلمrthur صلى الله عليه وسلمddington" وبرنارد رسل "رضي الله عنهertrand Russell" لحملة من النقد انتهت بأن تخلت العلية عن مكانها ليحتله "القانون الطبيعي"، الذي يتميز في أيامنا الحاضرة بأنه يصاغ في كم عددي. ونذكر في هذا المجال الغزالي "ت 505هـ/ 1111م" في كتابه "تهافت الفلاسفة" وقد سبق رأس التجريبيين "ديفيد هيوم" بستة قرون ومن قبله جابر بن حيان "ت 198هـ/ 813م" في رفض تفسير العقليين للعلاقة العلية "السببية" وفي تفسيرها الجديد الذي قدمه لها1، وهكذا قدر لمفكري العرب أن يفطنوا إلى تفسير العلة قبل أن يتوصل إليه الغربيون بمئات السنين.
7- توافر الثقافة الواسعة للعلماء: ولع الغربيون في العصور الحديثة بالتخصص الضيق، حتى استخف أهله بسائر فروع المعرفة البشرية، وقد شهد القرن العشرين تحولا فجائيا أفضى إلى نوع من التقارب بين العلم التجريبي وغيره من فروع المعرفة البشرية، وكان هذا بعد أن غلبت النزعة المادية على ذلك العلم، وأيد هذا التحول واضعوا المناهج العلمية، حيث طالبوا الباحثين بالوقوف على كل ما من شأنه أن يساعدهم على دراسة موضوعاتهم وفهمها على أحسن الوجوه ومن ذلك أنهم أوصوا الطبيب بأن يلم بعلوم الأحياء والكيمياء والصيدلة والنفس وغيرها، بل إن "كلود برنارد" كان يوصي العالم الطبيعي بأن يتزود بثقافة واسعة في الفلسفة والفن معا.