...
المبحث الثالث: قبسات منهجية من التراث 1 العربي الإسلامي
اعتاد الكتاب الغربيون أن يرموا الفكر العربي الإسلامي بأنه فكر غيبي، ينقصه الالتزام بالمنهج العلمي1، وقد طال الجدل حول هذا الموضوع، فنسب الغربيون غير المنصفين المنهج العلمي الحقيقي إلى فرنسيس بيكون وديكارت في القرن "السابع عشر الميلادي" وجون ستيوارت ميل في القرن "التاسع عشر الملادي"، في حين أن الدراسات المنصفة انتهت إلى نتيجة مفادها أن تفكير العرب العلمي يعتبر أساسا لهذا المنهج، ولا يختلف كثيرا عن المنهج العلمي الحديث.
تميز الإسلام منذ انطلاقته بمبادئ الأولى منها التوحيد، وتبين للمستشرقين2 بخاصة الأهمية البالغة لإبعاد هذه الرؤية الإسلامية للإله الواحد، ويتداخل مع موضوع التوحيد موضوع آخر هو الخطاب العقلاني، حيث يستخدم البرهان الذي أفاد منه الفلاسفة الإسلاميون، لقد جعل القرآن العقل أداة أولية في حياة الإنسان، ودعا إلى استخدامه في البحث عن الكون كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 2/ 164] .
ونرى من خلال آياته أن العلم هو الحق اليقيني الثابت بالحجة القاطعة: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 10/ 36] وهو الطريق العلمي السليم في بحث أسرار الطبيعة