أخرى تهتم بتوصيل الحقيقة على أي وجه، من غير إثارة للمشاعر، وبالإيقاع في الشعر يكتمل الشكل الفني له، بحيث يعد من عيوب الأدب الذي يأخذ بتلابيب النفس، ويكون موطن الدراسة والتحليل والنقد.
والنفس بطبيعتها متألفة الأجزاء، منسقة الأعضاء وفي صورتها الجميلة التي هيأها الله لها، قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} لهذا الانسجام التام فيها، واستواء الخلق المتكامل لها تستجيب النفس لنظائرها في الحياة، والتي تتشابه معها في الوجود، يقول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم: "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف".
وعلى ذلك تكون النفس أشد استجابة للأشياء المنسقة التي تقوم على نظام رتيب، وإيقاع موزع في تناسب وتناسق، لأن الإيقاع والموسيقى من أقوى الظواهر التي تستجيب إليها النفس من غير وعي ولا شعور، كالشأن في الخيال وهو ظاهرة غامضة أيضا نوعا ما؛ فإنه يجذب النفس إليه لسحر كامن فيه، وسيظل كل من الخيال والموسيقى لغزا غامضا محيرا، يكتفي الناقد في توضيحه بالتعرف على إيحائه وإشارته، والإيحاء والإشارة من أقوى عوامل التأثير في النفس، بل هما من الوسائل الحية التي تنقل ما في النفس من المعاني والمشاعر والعواطف.